أحدهما : إثبات المدة. والثاني : إثبات أنه ليس بجسم ، ولا حال في الجسم (١) وقد احكمنا هذين الأصلين في كتاب «الزمان»
الحجة الثانية : إن الدليل دل على وجود الخلاء ، وهو البعد المجرد القائم بالنفس. فنقول : هذا البعد ليس بجسم. لأن المراد من الجسم: الجوهر الذي يقبل الحركة من حيزا إلى حيز. ونفس الحيز لا يقبل الحركة من حيز إلى حيز ، وإلّا لحصل للحيز : حيز آخر إلى غير النهاية. وهو محال ، فثبت : أنه جوهر مجرد.
الحجة الثالثة : وهي مبنية على إثبات المثل التي كان يثبتها القدماء. وتقريرها : إن أشخاص الناس مشتركون في معنى الإنسانية ، ومختلفون في الطول والقصر ، والسواد والبياض. وما به المشاركة غير ما به المخالفة ، فكونه إنسانا : أمر ، مغاير لهذه الصفات والأحوال. وإذا ثبت هذا ، فنقول : ذلك المعنى من حيث إنه هو ، امتنع أن يكون له قدر معين أو شكل معين ، وإلا لما كان مشتركا فيه بين الموجودات ، ذوات الأقدار المختلفة ، والأشكال المختلفة.
ثم نقول : هذا الموجود ، إما أن يكون موجودا في الأذهان فقط ، ولا وجود له في الأعيان ، وإما أن يكون موجودا في الأعيان. والأول باطل ، لأن القدر المشترك بين الأشخاص الموجودة في الأعيان أجزاء مقومة لتلك الموجودات وما يكون جزءا من ماهيات الأشياء الموجودة في الأعيان : يجب كونه موجودا في الأعيان ، إذ لو حصلت تلك الأشياء في الأعيان [مع أن الأجزاء المقومة لماهيتها غير موجودة في الأعيان ، فحينئذ قد حصل الشيء في الأعيان (٢)] مع أن أجزاء قوامه غير حاصلة في الأعيان. وذلك محال في صريح العقل. فثبت : أن هذه الماهية التي هي القدر المشترك بين الكل : موجود في الأعيان.
وإذا ثبت هذا ، فنقول : إما أن يكون كونه موجودا في الأعيان ، موقوفا
__________________
(١) فيه (ل)
(٢) من (ل)