والوقاع. وهذه الحيوانات الخسيسة حصلت لها هذه اللذات. فلو كانت السعادة القصوى ، ليست إلا هذه اللذات ، لزم كون هذه الحيوانات الخسيسة أعلى حالا ، وأكمل درجة من الملائكة المقربين. ولما كان هذا التالي باطلا ، كان المقدم مثله. بل هاهنا ما هو أعلى وأقوى مما ذكرنا. وهو أنه لا نسبة لكمال واجب الوجود [وجلاله وشرفه (١)] وعزته إلى أحوال غيره ، مع أن هذه اللذات الخسيسة ممتنعة عليه. فثبت : إن الكمال والشرف قد يحصلان بأحوال سوى هذه اللذات الجسمية.
فإن قالوا : ذلك الكمال ، لأجل حصول الإلهية. وذلك في حق الخلق محال ، فنقول: لا نزاع : في أن حصول الإلهية في حق الخلق محال ، إلا أنه عليهالسلام قال : «تخلقوا بأخلاق الله» والفلاسفة قالوا : «الفلسفة عبارة عن التشبه بالإله ، بقدر الطاقة البشرية» فيجب أن نعرف تفسير هذا التخلق ، وهذا التشبه. ومعلوم : أنه لا معنى لهما إلا تقليل الحاجات ، وإفاضة الخيرات والحسنات. لا بالاستكثار من الشهوات واللذات.
الحجة السابعة : إن هؤلاء الذين حكموا بأن سعادة الإنسان ، ليست إلا في تحصيل هذه اللذات البدنية ، والراحات الجسمية. إذا رأوا إنسانا أعرض عن طلبها ، مثل أن يكون مواظبا على الصوم. مكتفيا بما جادت الأرض به ، عظم اعتقادهم فيه. وزعموا : أنه ليس من جنس البشر (٢) بل هو من زمرة الملائكة. ويعدون أنفسهم بالنسبة إليه أشقياء أراذل. وإذا رأوا إنسانا مستغرق الفكر والهمة في طلب الأكل والشرب والوقاع ، مصروف الهمة إلى تحصيل أسباب هذه الأحوال ، معرضا عن العلم والزهد والعبادة ، قضوا عليه بالبهيمية والخزي والنكال. فلو (٣) أنه تقرر في عقولهم : أن الاشتغال بتحصيل هذه اللذات الجسدانية نقص ودناءة ، وأن الترفع عن الالتفات إليها كمال وسعادة. وإلا لما كان الأمر على ما ذكرناه ، ولكان يجب أن يحكموا على المعرض عن
__________________
(١) سقط (ط).
(٢) الإنس (ل ، طا).
(٣) ولأنه (ل).