ويتضرعون إلى الله خوفا منه. وبالغوا في هذا الغلو إلى [درجة (١)] أن أول كلمة يذكرونها ، هي قولهم : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» فيستعيذون من شره. ثم يقولون من بعده : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وهذه درجة عظيمة موهمة للمقابلة.
إذا عرفت هذا [فنقول (٢)] قد اتفق أرباب الملل والنحل على وجود روح قوي من الأرواح المؤذية الخبيثة [الداعية إلى (٣)] الشرور. والاختلاف ليس إلا في الأسماء والألقاب.
وأما الثنوية : فهم أيضا مفرطون في هذا الاعتقاد. لأنهم يقولون : إله العالم هو النور والظلمة. وفي عالم الأنوار موجود هو النور المطلق ، وهو الإله الخير الرحيم ، وأنوار أخرى مختلفة بالعظم والصغر ، والقوة والضعف ، وهم الملائكة ، وهم أعوان النور الأعظم. وفي عالم الظلمات موجود ، هو الظلمة التامة الكاملة. وهو الإله المؤذي الشرير. وأرواح أخرى مختلفة بالعظم والصغر ، والقوة والضعف ، وهم الشياطين. وهم أعوان الظلام الأعظم. وهذا بعينه مذهب المشبهة من هذه الأمة.
فهذا تفصيل مذاهب أرباب الملل والنّحل في هذا الباب.
وأما الفلاسفة : فالمتأخرون منهم اتفقوا على إنكاره.
وأما المتقدمون : فلا أعرف مذهبهم في هذا الباب. إلا أني رأيت في كتاب «الأهوية والبلدان» ل «بقراط» أنه ذكر فيه : أن المياه الواقفة تورث من العلل والأمراض كذا وكذا. ومن جملتها : الصرع. ثم قال : «لا أريد به الصرع الذي يعالجه أصحاب الهياكل ، بل الصرع الذي يعالجه الأطباء» وهذا تصريح بأن الصرع قد يكون روحانيا وقد يكون جسمانيا.
__________________
(١) سقط (م).
(٢) زيادة.
(٣) سقط (م).