والبحث الثاني :
إن القائلين بإثبات الجن والشياطين. يحتمل أن يذكروا فيه وجهين (١) :
الأول : أن يقال : الجن أجسام هوائية ، تقدر على أن تتشكل بأشكال مختلفة ، وتقدر على أن تتولج في بواطن الحيوانات ، وتجري في منافذها الضيقة. ولا بعد فيه. فإن الهواء المستنشق يصل في الهواء (٢) إلى أعماق الأعضاء. فكيف يبعد مثله من حيوان هوائي الذات.
والثاني : أن يقال : إنها نفوس مجردة ، ليست أجساما ، ولا حالة في الأجسام. وعلى هذا التقدير فههنا احتمالات.
الأول : أن يقال : إنها عالمة قادرة سامعة مبصرة ، من غير أن يكون لها حاجة في حصول هذه الصفات إلى آلات جسمانية. وتلك النفوس بنوعياتها (٣) مخالفة للنفوس البشرية.
والثاني : أن يقال : إنها تحتاج في كونها عالمة ، فاعلة إلى آلات جسمانية. إلا أن تلك الآلات جزء مخصوص من الهواء أو جزء (٤) معين من كرة الأثير. وتبدد أجزاء تلك الأجسام وتحللها [لا (٥)] يوجب موت تلك الأرواح. كما أن النفوس الإنسانية إنما تسمع وتبصر وتتفكر وتتخيل بواسطة أجسام لطيفة روحانية ، تتولد في القلب أو في الدماغ. ثم إن تلك الأجزاء تبدأ في التحلل والتفرق. ولم يلزم منه الطعن في كون الإنسان باقيا ، فكذا هاهنا.
الثالث : أن يقال : إن النفوس الناطقة التي فارقت أبدانها (٦) وبقيت دهرا داهرا ، وزمانا طويلا في إشراق المعارف القدسية. لا شك أنها قويت
__________________
(١) وجوها [الأصل].
(٢) الحال (م).
(٣) بعينها (م) بنوعها (ط).
(٤) وجزء (ل).
(٥) من (ل).
(٦) أجسامها (م).