تكون أمورا موجودة في الذهن والخيال ، وإما أن تكون أشياء موجودة في الأعيان كائنة في الجود. والقسمان الأولان باطلان ، فيبقى الثالث. وذلك هو الجن والشياطين. تناجيه وتناديه في سره وفي قلبه وباطنه.
وإنما قلنا : إن القول بأن تلك الكلمات الواردة في الخواطر ، وأن تلك الصور المشاهدة في الباطن ، يمتنع أن تكون عدما محضا ونفيا صرفا. وذلك لأنا نسمع تلك الحروف من القلب والباطن ، ونفهم معانيها ، ونميز بينها وبين غيرها. فلو (١) جاز القول بأنها مع اتصافها بهذه الصفات المعينة والخواص المعينة عدم محض ، ونفي صرف. لم يمتنع أيضا في كون هذه الصور المخصوصة (٢) بهذه الحواس (٣) كونها عدما محضا ونفيا صرفا. وكل ذلك باطل محال.
وأما القسم الثاني : وهو أنها موجودات في الأذهان ، لا في الأعيان. فهذا باطل قطعا. ويدل عليه وجهان (٤) :
الأول : إنا لو جوزنا أن تكون هذه الألفاظ المترتبة المتعاقبة ، وأن تكون هذه الصور المخصوصة المتميزة عما يغايرها ، بألوانها وأشكالها : موجودات في الأذهان لا في الأعيان ، فلنجز في هذه الصور [المحسوسة (٥)] : كونها كذلك. ويلزم منه السفسطة.
والثاني : إن محل هذه الصور. إما أن يكون جسما مخصوصا كدماغ أو قلب ، وإما أن يكون جوهرا مجردا. والأول باطل. [لأن الصور العظيمة يمتنع انطباعها في المحل الصغير. والثاني أيضا (٦) باطل]. لأن الجوهر المجرد لا يحصل فيه جوانب مختلفة ، ولا أجزاء متباينة. وإذا كان كذلك ، كانت الصورة
__________________
(١) فلو كانت عدما محضا مع اتفاقها بهذه ... إلخ (م).
(٢) المحسوسة (م).
(٣) الحواس (س) الخواص (ل).
(٤) وجوه [الأصل].
(٥) من (ل).
(٦) سقط (طا ، ل).