المنطبعة فيه ، يمتنع أن يحصل فيها الجوانب المختلفة ، والأجزاء المتباينة بحسب الأحياز والجهات. وإذا كان كذلك ، كانت الصورة الحالة في الجوهر المجرد يمتنع أن يكون لها شكل ، وجوانب متميزة. بحسب الجهات. وإذا كان الأمر كذلك ، فكل ما كان موصوفا بهذه الصفات ، يمتنع حلوله في الجوهر المجرد. فثبت بهذا البيان الذي لخصناه : أن هذه الألفاظ الذهنية ، وهذه الصور المتخيلة ، إما أن تكون عدما محضا ، ونفيا صرفا. وإما أن تكون موجودات [إلا أنه لا وجود لها إلا في الأذهان. وإما أن تكون موجودات (١)] في الأعيان ، وثبت بطلان القسمين الأولين. فبقي القسم الثالث. وهو أنها أشخاص موجودة في الأعيان ، وأنها تتراءى للناس وتخاطبهم. ثم هاهنا دقيقة أخرى : وهي أنه كلما كان اشتغال الإنسان بالمحسوسات (٢) أكثر ، كانت تلك الخيالات أضعف. وكلما كان انقطاعه عن المحسوسات أكثر ، كان بقاؤه في الفكر والخلوة أكثر ، فكان ظهور هذه الأحوال أكثر. فهذا يقوى في العقل وفي الخواطر : أنه لا يزال يتزايد ذلك الظهور ، ويقوى ذلك التجلي ، حتى ينتهي إلى الانكشاف التام لتلك الأشخاص الروحانية. وهذا كلام قوي في هذا الباب.
الحجة الثانية : إن هذه الوساوس التي تخطر بالبال والكلمات التي تقع في القلوب ، لا بد لها من فاعل. وفاعلها. إما ذلك الإنسان ، وإما غيره. والأول باطل. لأن ذلك الإنسان قد يكون في غاية النفرة والكراهية لتلك الخواطر حتى إنه قد يحتال بالحيل الكثيرة في أن يدفعها عن نفسه فلا يقدر عليها البتة. وإذا كان كذلك ، امتنع أن يكون فاعلها هو هذا الإنسان ، فوجب أن يكون المتكلم بتلك الخواطر ، والناطق بها : فاعل آخر غير الإنسان ، وأن ذلك الفاعل يقدر على إيصال نطقه إلى باطن الإنسان. ولا نعني بالجن إلا هذا الفاعل.
__________________
(١) من (س ، ل).
(٢) كلما كان اشتغال الناس بالمحسوسات أقل ، وكان بقاؤهم في الفكر وفي الخلوة أكثر ، كان ظهور ... الخ (ل ، س).