قالت الفلاسفة : «لم لا يجوز أن يكون فاعل تلك الكلمات ، وتلك الألفاظ : هو القوة المفكرة ، المنتقلة من صفة إلى صفة ، ومن حالة إلى حالة؟ ونقول : هذا الكلام طال عهد الإنسان بسماعه ولهذا السبب تمكن في قلوبهم».
وهو باطل قطعا ويدل عليه وجهان :
الأول : إنا بينا في المقالات المتقدمة : أن الموصوف بجميع أنواع الإدراكات [والمتصرف (١)] بجميع أنواع التصرفات [في هذا البدن يجب أن يكون شيئا (٢)] واحدا. وهو الإنسان. وإذا كان كذلك ، امتنع أن يقال : الفكر عمل شيئا آخر سوى الإنسان. لأنا قد دللنا على أن الإنسان لم يفعل هذه الألفاظ ، لأنه لا يريدها. بل يكرهها. فبطل هذا الكلام.
الثاني : إن هذا الذي سميتموه بالقوة المفكرة. إما أن يكون هو الإنسان ، وإما أن يكون صفة من صفاته وحالة من أحواله ، وإما أن يكون فاعلا مستقلا بنفسه ، قد تقدم على الأفعال باختيار نفسه. والأول باطل. لأنا بينا أن الإنسان لا يريد هذه الحالة. والثاني باطل. لأن الصفة القائمة بذات الإنسان ، لا يمكنها أن تقدم على فعل ، على خلاف إرادة الإنسان. ولما بطل هذان القسمان ، ثبت أن الفاعل لتلك الكلمات فاعلا آخر غير الإنسان ، وغير مجموع صفاته. فنقول : ذلك الفاعل لا يمكنه أن يأتي بتلك الكلمات ، إلا إذا كان عالما قادرا. فإنه إن لم يكن عالما بأحوال تلك الكلمات ، يمتنع منه القصد إلى تكوينها. لأن القصد إلى ما يكون معلوما محال. فذلك الفاعل عالم بحقائق الأشياء ، وقادر على تكوين تلك الكلمات. وهو شيء مغاير لذات الإنسان ، ولمجموع صفاته. فذلك الشيء إما أن يكون عرضا حالا في جسم ، وإما أن يكون جوهرا قائما بذاته. والأول باطل. لأن العلم الضروري حاصل بأن العرض القائم بالغير ، لا يكون حيا عالما قادرا فاعلا للأفعال الشاقة. ولما بطل
__________________
(١) سقط (م) ، (ط).
(٢) سقط (م) ، (ط).