وإذا ثبت هذا ، فنقول : وسوسة الشياطين وإلهام الملك. إما أن يقعا في المرتبة الأخيرة ، أو في المرتبة المتوسطة ، أو في المرتبة الأولى. لا جائز وقوعها في المرتبة الأخيرة ، لأن تأثير مجموع القدرة مع الميل في الفعل : أمر ضروري لازم. والواجب لذاته ، يمتنع أن يكون لغيره فيه أثر. ولا جائز أيضا أن يحصل للإلهام والوسوسة أثر في المرتبة المتوسطة. لأن تأثير اعتقاد أنه مشتمل على النفع الخالص أو الراجح في وجود إرادة الفعل : تأثير ذاتي ضروري [وكذلك تأثير اعتقاد أنه مشتمل على الضرر الخالص أو الراجح في وجود كراهية الفعل تأثير ضروري (١)] والأشياء الضرورية ، يمتنع أن يكون لغيرها فيها أثر. ولما بطل هذان القسمان ، تعين أن يكون تأثير الوسوسة والإلهام في المرتبة الأولى فقط مثل : أنه كان ناسيا [لما في المعصية الفلانية من اللذة والطيب والراحة ، فالشيطان يذكره بهذه الحالة. أو كان ناسيا لما (٢)] في الطاعة الفلانية من البهجة والسعادة والآثار التامة الكاملة ، فالملك يذكره ذلك.
ولما تلخص هذا البحث الشريف العالي ، ظهر بهذا صدق ما ورد في الكتاب الإلهي. حيث أخبر عن الشيطان أنه قال : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ ، إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ ، فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ، فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) (٣) وهذا بحث شريف في غاية الجلالة. ولما شرفنا الله بفضله ورحمته بالإرشاد إلى هذه الأسرار الروحانية. فلنفرع عليها ما يليق بها من التفاريع :
الفرع الأول : إن الشيطان لا يقوى على إلقاء الوسوسة ، إلا بإعانة من القوى المزاجية ، والقوى النفسانية. وذلك لأنا قد بينا : أن الناس مختلفون في الميل إلى بعض الأشياء ، والنفرة عن بعض الأشياء. فالذي يريده هذا ، يبغضه ذاك ، وبالعكس. وأقسام هذه الاختلافات بحسب الرغبة في المال والجاه ، وبحسب أقسام المطعومات والمشروبات والمنكوحات. والتفرجات : مختلفة غير مضبوطة. فإذا أراد الشيطان حمله على فعل من الأفعال القبيحة ،
__________________
(١) من (طا ، ل).
(٢) من (طا ، ل).
(٣) إبراهيم ٢٢.