ذكره ما فيه من اللذات والراحات بما يميل طبعه إليه. وإذا أراد الملك منعه عنه ذكره ما فيه من المكروهات التي ينفر طبعه عنها.
والفرع الثاني : وهو أن أصحاب المكاشفات اضطربوا في ذكر الفرق المضبوط بين الخواطر الشيطانية ، وبين الخواطر الرحمانية (١) ، وطالت كلماتهم فيه. وأنا أقول : إنا قد بينا : أن السعادات العقلية المتعلقة بعالم المفارقات ، أكمل وأفضل من السعادات المتعلقة بعالم الجسمانيات. فكل ما دعاك إلى شيء من الروحانيات ، فهو الداعية الرحمانية ، وكل ما دعاك إلى شيء من لذات هذا العالم وخيراته ، فهو الداعية الشيطانية. إلا أن هاهنا مغلطة يجب التنبه لها. فإنه ربما ظن في الفعل في أول الأمر أنه من الداعية الرحمانية ، ولا يكون كذلك ، بل يكون من الداعية الشيطانية. وربما كان بالضد منه. ومثاله : أن من واظب على العلوم الحقيقية والزهد الخالص في الدنيا ، فهذا قد يظن به أنه داعية رحمانية ، لكن قد لا يكون الأمر كذلك ، وذلك إذا كان مقصوده من ذلك العلم المباهاة على الأقران ، وطلب الرئاسة في عالم الجسمانيات ، ومن واظب على ترك الالتفات إلى الأمور المعتبرة في العرف والعادة ، فهذا قد يظن به أنه داعية شيطانية. لكن قد لا يكون كذلك. إذا كان مقصوده منه : فطم النفس عن الالتفات إلى هذه الدنيا وطيباتها.
فيجب في كل فعل في القلب ميل إليه [أن ينظر فيه (٢)] فإن كان المقصود الأخير منه : التوجه إلى عالم الغيب فهو الداعية الرحمانية ، وإن كان المقصود منه رعاية مصلحة من مصالح هذا العالم الجسماني ، فهو الداعية الشيطانية. وهذه أبحاث عميقة ، ينتفع بها في الدين (٣) والدنيا. ونسأل الله [التوفيق (٤)] والخير والرحمة والكرم والنعمة.
__________________
(١) الروحانية (م).
(٢) زيادة.
(٣) الدنيا والآخرة (ل ، طا).
(٤) من (ل).