وأما أهل الكلام فبالغوا في إنكاره.
والذي يدل على أن الأفلاك والكواكب أحياء عاقلة : وجوه بعضها برهانية ، وبعضها إقناعية وقد ذكرنا مرارا : أن هذه المطالب العالية الشريفة الرفيعة ، يجب أن يبالغ الإنسان في معرفتها بأي طريق كان ، سواء كان برهانيا أو إقناعيا.
الحجة الأولى : وهي الحجة الفلسفية القديمة ـ قالوا : ثبت إما بالحس وإما بالبرهان: أن الأفلاك والكواكب متحركة بالاستدارة ، وكل متحرك فحركته إما أن تكون طبيعية أو قسرية أو إرادية. والأولان باطلان ، فتعين الثالث. وذلك يقتضي كون الأفلاك أحياء. أما بيان الحصر : فهو أنه قد ثبت في باب خواص الواجب والممكن : أن كل جسم يصدر عنه أثر مخصوص ، لا بالقسر ولا بالعرض ، فإنه يجب أن يكون ذلك لقوة موجودة فيه ، تناسب ذلك الأثر. إذ لو لم يكن ذلك ، لكان حال ذلك الجسم بالنسبة إلى ذلك الأثر كحال سائر الأجسام بالنسبة إليه ، وكان ذلك التخصيص رجحانا لأحد طرفي الممكن المتساويين على الآخر ، لا لمرجح. وهو محال. فنقول : ذلك الأثر ، إذا لم يكن بالقسر ، فلا بد وأن يكون لقوة موجودة فيه. وتلك القوة إما أن يكون لها شعور بما صدر عنها ، وهي القوة الحيوانية الإرادية ، أو لا يكون لها شعور بذلك الأثر ، وهي القوة الطبيعية المحضة. وأما إذا صدر عنه ذلك الأثر بالقسر ، فهو الذي يكون بالقسر. فقد ثبت : أن كل جسم يختص بأثر ، فذلك الأثر إما أن يكون طبيعيا أو قسريا أو إراديا. وذلك يدل على صحة الحصر المذكور. وإنما قلنا : إنه يمتنع أن تكون حركة الفلك طبيعية ، لأن الحركة تقتضي إزالة حالة حاصلة. فتلك الحالة ، إما أن تكون طبيعية أو لا تكون ، فإن كانت طبيعية مع أنا فرضنا أن الطبيعية تقتضي إزالتها ، فحينئذ يلزم أن يكون وجود تلك الحالة [طبيعيا (١)] وأن يكون زوالها طبيعيا ، وذلك
__________________
(١) سقط (ل).