وليكن هاهنا آخر كلامنا في إثبات أن السموات والكواكب : أحياء ناطقة.
ويتفرع عليها بحثين (١) : البحث الأول : إن الحكماء لما أقاموا الدلالة على إثبات هذا المطلوب ، قالوا : ثبت أن أكثر العالم بكليته حيوان واحد مطيع لله سبحانه وتعالى. قالوا : وليس لأحد أن يقول بأن هذه العناصر موجودة في داخل السموات ، مع أنها ليست موصوفة بالحياة. فكيف يقال : العالم كله حيوان واحد؟ وأجابوا عنه : بأن نسبة جملة العناصر إلى ثخن السموات ، أقل من نسبة المدرة الصغيرة إلى كل الأرض. ومن نسبة القطرة إلى كل البحر. ثم إنا لو قدرنا أن إنسانا ابتلع مدرة صغيرة. فوجود تلك المدرة الصغيرة في جوفه لا يمنع من القول بأن هذا الإنسان حيوان ، فكذا هاهنا.
بل نقول : أكثر أجزاء هذا البدن المحسوس خالي عن الحس والحركة والإدراك. فإن العظام والرباطات خالية عن هذه الحالة. والأخلاط والرطوبات خالية عن هذه الحالة. وإذا كان خلو هذه الأجرام الكثيرة ، لا يمنع من القول بأن هذه الجثة (٢) حيوان. فخلو جملة العناصر ، مع أنها بالنسبة إلى جملة الأفلاك كالعدم ، بأن لا يمنع منه القول بأن جملة العالم حيوان واحد : أولى.
البحث الثاني : إن الكتاب الإلهي ناطق بكون الأجرام الفلكية موصوفة بالحياة. ويدل عليه وجوه :
الأول : قوله تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٣) والجمع بالواو والنون لا يليق إلا بالعقلاء.
الثاني : قوله تعالى : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (٤)
__________________
(١) أبحاث (الأصل)
(٢) هذا البدن (م).
(٣) يس ٤٠ واستدلال المؤلف خطأ. فإن سبحها مماثل لسبح الآلات الميكانيكية والآلات لا تعقل.
(٤) يوسف ٤ والآية لبيان حلم ، لا لبيان حال في يقظة.