وينازعه في فعله أخرى. وعلى هذا التقدير فلا يمتنع أن تكون أفعالها ، لأجل طلب تلك الزوائد في القوة والقدرة.
الوجه الثاني : قالوا : لا شك أن واجب الوجود لذاته : المبدأ المفيض لجميع أقسام الخير والرحمة ، على جميع أجزاء العالم الروحاني والجسماني. ولا شك أن الحركات الفلكية : أسبابا لنظام هذا العالم. وعند هذا قالوا : «كمال حال الممكنات التشبه بالإله (١) بقدر الطاقة البشرية» ولهذا المعنى قال صاحب الشريعة : «تخلقوا بأخلاق الله تعالى» ونقل عن أوائل الفلاسفة (٢) أنهم قالوا : «الفلسفة [عبارة عن التشبه بالإله بقدر الطاقة البشرية» ولا شك أن هذا التشبه (٣)] حالة عالية شريفة. ولما كانت الأفلاك أكمل حالا من البشر ، في علومها ومعارفها ، وأنواع فضائلها ، كانت أولى بتحصيل هذا التشبه ، بقدر ما يليق بها من الطاقة. فهي تتحرك حركات مشتملة على تحصيل مناظم هذا العالم الأسفل. إلا أن مقصودها الأصلي ليس هو العناية بهذه السافلات ، بل مقصودها الأصلي : هو التشبه بالإله تعالى في كونه مبدأ لحصول النظام والخير والرحمة.
الوجه الثالث : إنا بينا : أن الفلك حيوان. وهو مطيع لمعبوده ولخالقه. والعبادة عبارة عن مجموع أمور ثلاثة :
الاعتقاد بالقلب. والذكر باللسان. والخدمة بالبدن (٤). فالنفس الكلية لما كانت مواظبة على عبادة خالقها ومعبودها ـ وبدنها هو الفلك ـ كانت هذه الحركات جارية مجرى الركوع والسجود لله سبحانه وتعالى. فهذا هو القول في تعديد الوجوه الممكنة في أن الغرض للفلك من الحركة : استفادة الكمالات والسعادات من الأسباب العالية.
__________________
(١) بالإله (ل) بالله تعالى (م).
(٢) الحكماء (م).
(٣) سقط (م).
(٤) بالجسد (م).