وأما البحث عن أن الحركة الموجبة للحياة ، أو الحياة هي الموجبة للحركة ، أو هما معلولا علة منفصلة فذلك غير معلوم.
وأما الاحتمال الثاني : وهو أن يقال : المقصود للأفلاك من تلك الحركات : اكتساب العلوم والمعارف ، والمبالغة في تكميلها. فهذا أيضا محتمل. وتقريره : إنا نعلم أن الإنسان حال ما يحاول تحصيل المعارف الكسبية ، فإنه يستعين بالفكر والتأمل ، وذلك لا يمكن إلا بتحريك الأرواح الدماغية على وجوه مخصوصة. وإذا كان ذلك كذلك ، لم يمتنع أيضا أن يقال : إن مراتب العلوم غير متناهية. واللذة الحاصلة من تحصيل العلوم والمعارف : أقوى اللذات وأكمل السعادات. فهذه النفوس الفلكية مستغرقة (١) بتحصيل هذا النوع من السعادات ، وأنه لا يمكنها تحصيل هذا المطلوب إلا بواسطة هذه الحركات المخصوصة ، فكانت مواظبة الأفلاك على هذه الحركات ، لأجل أن يتوصل بها إلى استفادة المعارف والعلوم. ولما كان لا نهاية للعلوم والمعارف ، فلا جرم لا نهاية لحركاتها ، لأجل أنه تحصل الوصلة بها ، إلى تحصيل تلك المطالب. فهذا احتمال ممكن ، وهو أقرب إلى العقول من استخراج الأيون والأوضاع.
وأما الاحتمال الثالث : وهو أن تكون حركاتها لطلب الكمال في القوة العقلية (٢) فهذا الاحتمال ممكن. وتقريره من وجوه :
الأول : وهو قول أصحاب الأحكام. وهو أنه ثبت أن للكواكب في هذه المدارات خصوصيات (٣) مختلفة. فبعض تلك البروج لها شرف ، وبعضها هبوط. وكذا القول في البيت والمثلثة والحدود والوجوه [والفرج (٤)] وسائر الأقسام المذكورة في علم الأحكام. وأيضا : فإن الأحكاميون ذكروا أن بين تلك الكواكب صداقة وعداوة ، وأن كل واحد منها يحاول إعانة غيره على فعله تارة ،
__________________
(١) مشغوفة (م).
(٢) الفعلية (ل).
(٣) حصصا (ل ، طا).
(٤) من (ل).