هذا العالم العنصري ، هو في نهاية الضعف ، في علومه ، وفي أفعاله الفاضلة. فجعل تلك الأجسام العالية المقدسة الشريفة خادمة لهذه الأجسام الخسيسة ، مما لا يقبله العقل. فإن قيل : أليس المقصود من النبي رعاية مصالح الأمة [ومن السلطان رعاية مصلحة الرعية (١)] ومن الراعي رعاية الغنم. ولم يلزم كون النبي أدون حالا من الأمة. فكذا هاهنا؟ قلنا : لا نسلم أنه لا فائدة في وجود النبي إلا رعاية مصالح الأمة ، بل في وجوده فوائد عالية رفيعة (٢) فإنه لأجل نبوته تستكمل ذاته بالمعارف القدسية ، والأنوار الإلهية. من جملتها : إرشاد الخلق إلى الحق. ونظيره في مسألتنا : أن يقال : إن للأفلاك في حركاتها : فوائد كثيرة. ومن جملتها : مصالح السافلات. وبهذا التقدير [سيندفع السؤال (٣)] وهذا هو القول الذي اختاره «ثامسطيوس» وهو أن الفلك يستفيد من المبادي العالية أنواعا من البهجة والسعادة ، ثم إنه يختار الجهة المعينة ، لكونها أنفع للسافلات. وذلك عين (٤) المذهب الذي نحن فيه الآن.
الحجة الثانية : إن كل من فعل فعلا لغرض. فهو مستكمل بذلك الغرض. فلو فعلت الأجرام العالية أفعالها ، لمصالح السافلات [لكانت مستكملة بهذه السافلات. ومعلوم أنها أشرف وأعلى من هذه السافلات (٥)] فيلزم كون الأكمل مستكملا بالأخس والأنقص. وهو محال. ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يقال : إن الكامل الشريف العالي ، قد يستكمل في بعض الأحوال بالخسيس النازل؟ ألا ترى أن السلطان قد ينتفع برعيته ، والمولى قد ينتفع بعبده ، والإنسان قد ينتفع بالخبز والماء ، مع أنه أشرف منهما.
واعلم : أن هذين الدليلين ، لا شك أنهما من باب الإقناعيات. إلا أنه ثبت أن [الأرض (٦)] بالنسبة إلى الأفلاك والكواكب [العلوية (٧)] كالمركز في
__________________
(١) سقط (ط).
(٢) شريفة (ل).
(٣) سقط (طا) ، (ل).
(٤) غير (ل ، طا).
(٥) سقط (م) ، (ط).
(٦) العالم العنصري (م).
(٧) سقط (طا ، ل).