إلا أنه بقي هاهنا أمران :
أحدهما : إن ذلك الذي تخيله خيرا ، قد لا يكون في نفس الأمر كذلك ، وحينئذ يسمى ذلك الفعل باطلا ، لا بمعنى إنه ليس له غاية بحسب ذلك الاعتقاد ، بل بمعنى أنه ليس له غاية تستحق في نفسها جعلها غاية.
الثاني : إنه ربما كانت الغاية في تلك الحركة ، ليست إلا الوصول إلى ذلك الحد المعين. فهذا يكون غاية لتلك الحركة ، بمعنى أنه ما أريد من تلك الحركة إلا الوصول إلى تلك الغاية المعينة. وقد يقال : إن هذه الحركة عبث ، بمعنى أن هذه الغاية لما كانت خسيسة لم يكن بين وجودها وعدمها فرق معتبر ، إجراء للحقير مجرى المعدوم.
وأما النائم فنقول : إنه ما لم يتخيل النائم مكروها أو مطلوبا [لم يترك شيئا ولم يفعل شيئا. وأقصى ما في الباب : إنا بعد الانتباه لا نتذكر ذلك المطلوب وذلك المهروب (١)] إلا أنه لا يلزم من حصول ذلك التخيل في ذلك الوقت ، علمنا بعد النوم بأنه كان ذلك التخيل حاصلا في ذلك الوقت. وأما قوله : «الجائع يبتدئ بكسر الرغيف من أحد الجوانب ، لا لغرض معين» فنقول : إنه ما لم يتخيل أمرا صالحا لذلك الترجيح ، لم يحصل ذلك التعين. وهو كونه ألذ وأوفق أو كونه أقرب. أو شيء آخر ، يكون حاصلا في الذهن. إلا أنه يزول عن الذهن في الحال ، فلا يمكن التعبير عنه لهذا السبب.
المسألة الثانية في الرد على من يقول : المقصود من تلك الحركات : إصلاح هذه السافلات : فنقول : الذي يدل على فساد هذا القول وجهين (٢) :
الحجة الأولى : إن كل من كان أكثر أفعاله لرعاية حال الغير ، كان كالخادم لذلك الغير. والخادم أخس من المخدوم. ثم إذا كان المخدوم خسيسا ، كان خادمه بالغا إلى النهاية القصوى في الخساسة. وأشرف موجودات
__________________
(١) سقط (م).
(٢) وجوه [الأصل].