فإذا كان الفرع غنيا عن الهيولى ، فبأن يكون الأصل الذي هو الموجودية غنيا عنها أولى. وحينئذ يلزم أن تكون الصورة الهيولانية ، غنية عن الهيولى ، وذلك محال.
الوجه الثاني : إن الصورة الهيولانية إنما تؤثر بمشاركة الوضع. ومعناه أنها تؤثر أولا فيما
يقرب من محلها.
وثانيا : فيما يتصل بذلك القريب. وعلى هذا الترتيب ، فتنتقل من القريب إلى البعيد.
إذا عرفت هذا فنقول : تأثير الجسم في تكوين جسم آخر ، لا بد وأن يكون مسبوقا بتأثيره في هيولى ذلك المعلول وفي صورته. لكنا بينا أن الهيولى جوهر مجرد ، وحصول القرب والبعد بالنسبة إليه محال. فيمتنع أن يكون للصورة الجسمية تأثير في [وجود الهيولى. وذلك امتنع أن كون لها تأثير في (١)] وجود الجسم. فثبت بهذه البيانات : أن كون الجسم مؤثرا في جسم آخر : محال. فوجب أن يحصل لهذه الأجسام علل سوى الأجسام. ولما امتنع أن يكون المؤثر في وجودها هو [الله سبحانه ، وجب أن يكون المؤثر في وجودها هو (٢)] الجواهر العقلية المجردة.
وهذه الحجة مبنية على مقدمات :
إحداها : أن الجسم مركب من الهيولى والصورة.
وثانيها : أن الواحد لا يكون قابلا وفاعلا معا.
وثالثها : أن ما يكون غنيا في تأثيره عن المادة كان غنيا في وجوده عن المادة.
ورابعها : أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد.
__________________
(١) من (طا ، ل).
(٢) سقط (م) ، (ط).