العوالم كثيرة ، وجب أن يكون في العقول والنفوس كثرة.
الرابع : إنهم قالوا : إن العقل الأول حصل فيه أربع اعتبارات : إمكانه ، ووجوده ، وعلمه بكونه واجب الوجود بسبب علته ، وعلمه بعلته. ثم صدر عن هذه الاعتبارات الأربعة : أشياء : هيولى الفلك الأعظم ، وصورته وعقله ، ونفسه. ثم على هذا الترتيب يصدر عن كل عقل : هذه الأمور الأربعة. حتى استوفت الكرات السماوية عددها. وحينئذ انقطعت مراتب العقول. فلما قيل لهم : أليس هذه الاعتبارات الأربعة حاصلة في العقل الأخير ، فكان يجب أن يحصل له تلك الأربعة. وهكذا إلى ما لا آخر له؟
أجابوا عنه : بأن العقول مختلفة ، بحسب ماهياتها المخصوصة ، وحقائقها المعينة. وإذا كان كذلك ، فحينئذ لا يلزم من حصول هذه الاعتبارات الأربعة في العقل الأخير ، كونه علة لهذه الأشياء الأربعة. إذا عرفت هذا ، فنقول : إن هذا اعتراف من القوم بأنه لا يلزم من حصول هذه الاعتبارات في جوهر عقل من العقول : كونه علة لهذه المعلولات الأربعة. وإذا كان كذلك ، فحينئذ لا يلزم من حصول هذه الاعتبارات الأربعة في ذات العقل الأول : كونه علة لهيولى الفلك الأعظم ، ولصورته ، ولنفسه ، ولعقله. فلعل العقل الأول كان علة لعقل واحد ، وذلك الثاني كان علة للعقل الثالث. وهكذا. كان يصدر عن كل واحد واحد. إلى عدد ومرتبة لا يعلمها إلا الله تعالى. ثم حصل بعد ذلك عقل. وصارت الجهات الأربع الموجودة فيه ، علة للمعلولات الأربعة ، وحينئذ حصل الفلك الأعظم بهيولاه ، وصورته ، وعقله ، ونفسه. فثبت بهذه البيانات التي ذكرناها : أن حصر ملائكة الله تعالى في عدد معلوم ، مما لا يليق بالقوة العقلية البشرية.
والحق في هذا الباب : ما جاء في الكتاب الإلهي حيث قال : (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) وقال : (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ).
__________________
(١) الإسراء ٨٥.
(٢) المدثر ٣١.