الأصنام كانت موجودة قبل مجيء نوح عليهالسلام. بدليل : أنه تعالى حكى عن كفار زمانه قولهم: (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ. وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا ، وَلا سُواعاً ، وَلا يَغُوثَ ، وَيَعُوقَ ، وَنَسْراً) (١).
ثم إن ذلك الدين بقي من ذلك الوقت مستمرا في أكثر أطراف الأرض ، إلى هذا الزمان. وذلك يدل على أنه ليس مرادهم منه : اعتقادهم في أن مبر العالم : هو ذلك الخشب والحجر والصورة المفرغة في القالب ، بل لهم فيه تأويلات.
التأويل الأول : الأعظم الأقوى ـ أنّ المنجمين وأصحاب الأحكام : زعموا أن المدبر لهذا العالم : هو الكواكب السبعة السيارة. لأجل أنهم شاهدوا أحوال هذا العالم مرتبطة باختلاف أحوال الشمس والقمر. فاعتقدوا إلهية هذه الكواكب. ثم إنها تغيب عن العيون تارة لأجل غروبها ، وتارة لأجل أن الغيم يحجب عن رؤيتها ، وتارة لأجل أن سائر الكواكب تختفي ، بسبب وقوعها (٢) في شعاع الشمس. فلأجل هذا السبب اتخذوا أصناما على صور تلك الكواكب ، وزينوها بالأشياء المناسبة لتلك الكواكب ثم واظبوا على عبادتها. فهذا هو السبب الأعظم للاشتغال بعبادة الأصنام. ومما يدل عليه : أنه تعالى لما حكى عن الخليلعليهالسلام ، أن قال لأبيه آذر : أتتخذ أصناما آلهة؟ إني أراك وقومك في ضلال مبين (٣). ثم إنه بعد ذكر هذا الكلام : اشتغل بإقامة الدلالة على أن لا يجوز اتخاذ الكواكب والقمر والشمس آلهة. وذلك من أصدق الدلائل الدالة على أن دين عبدة الأوثان : فرع هذا المذهب.
التأويل الثاني : ما نقلنا عن الهند وغيرهم. أنهم قالوا : ثبت بالاستقراء وبالوحي أن لكل طرف من أطراف الأرض ولكل طائفة من طوائف الناس : روح فلكي ، يدبرهم ، ويعتني بإصلاح أحوالهم. وإذا كان الأمر كذلك كان
__________________
(١) نوح ٢٣.
(٢) قوة (م).
(٣) الأنعام ٧٤.