الواجب على أهل ذلك الطرف. الاشتغال بعبادة ذلك الروح ، والإقبال على طاعته. ثم إن ذلك الروح يشتغل بعبادة الروح الذي هو أعلى شأنا منه ، وأقرب منزلة إلى الله تعالى منه ، وهكذا كل مرتبة سافلة فإنها تكون مشغولة بعبادة المرتبة العالية ، حتى ينتهي التصاعد إلى العباد المقربين ، في حضرة واجب الوجود. وهم يعبدونه حق عبادته ، ويذكرونه بالثناء اللائق به ، ويصفونه بالصفات المناسبة لكماله وجلاله. ثم إن هؤلاء الأقوام لما اعتقدوا هذا الاعتقاد : صنعوا تماثيل تناسب تلك الأرواح على وفق عقائدهم. وتقربوا إليها. وكان غرضهم من تلك العبادة : التقرب إلى ذلك الروح المدبر لذلك الطرف من الأرض. فهذا مذهب هذه الفرقة.
وسمعت من أصحاب هذا المذهب في الهند : حججا عليه :
الحجة الأولى : قالوا اعتقاد البشر بأن لهم ، أهلية عبادة الله تعالى [تيه شديد ، وصلف (١)] فإن عبوديته تعالى ، إنما تليق بمن يعرفه حق المعرفة ، ويقدر على القيام بحقوق آلائه ونعمائه كما ينبغي ، لكن العقول البشرية ضعيفة ، وتفنى في أقل الأشياء ولذلك فإن لا مسألة يبحث العقل فيها حق البحث ، إلا ويبقى فيها كالمتحير التائه الواله. وذلك يدل على نقصان عقله ، وضعف فهمه. وإذا كان كذلك ، فالواجب على البشر ، واللائق بأحوالهم : أن يشتغلوا بعبادة الملائكة. وهم يشتغلون بعبادة أكابر الملائكة والملائكة المقربون هم الذين يشتغلون بعبادة الله تعالى. فهذا أقرب إلى التواضع وحسن الأدب.
الحجة الثانية : قالوا : الغائب إنما يعرف بالقياس على الشاهد. ولو أن الرجل الضعيف يقول : إني لا أشتغل إلا بخدمة السلطان الأعظم ، لبقي محروما عن كل الخيرات. إنما اللائق بحاله : أن يخدم واحدا من الأوساط. وذلك الرجل يخدم الحاجب أو غيره. وذلك الحاجب يخدم السلطان. وحينئذ يحصل النظم والترتيب ، ويمكنه أن ينتفع به نفعا لائقا به.
__________________
(١) من ز ل ، وفي ، م ، خطأ عظيم.