في قصة نوح ـ عليهالسلام ـ ولما اتفق الأنبياء والرسل على ذلك. فمن أين وقع لهذه الطائفة : أن فضلوا الأنبياء على الملائكة. مع تصريح الأنبياء. عليهمالسلام [بافتقارهم إليهم في كل الأمور (١)] وبأنهم لا يقتبسون الخيرات [والكمالات (٢)] إلا منهم؟
والسابع : إن الإنسان ، وإن حصلت له القوة العاقلة المدركة ، إلا أنها معارضة بتسعة عشر نوعا من القوى [الجسمانية (٣)] وكلها تضاد القوة العقلية في تحصيل الكمالات الروحانية. فالحواس الظاهرة متوجهة إلى كيفية الجسمانيات ، ومعرضة عن الروحانيات. وأما الحواس الخمسة الباطنة ، فهي مشتغلة بضبط تلك الأحوال التي اكتسبتها الحواس الظاهرة بالتصرف فيها.
وأما الشهوة والغضب ، فالحال بكونهما مانعين من الأحوال الروحانية في غاية الظهور. وأما القوى السبعة النباتية. وهي : الجاذبة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة فظاهر أنها مانعة من الالتفات إلى عالم الروحانيات.
ولهذا السبب جاء في الكتاب الإلهي : إن جهنم لها تسعة عشر عددا من الزبانية [فقد قال تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (٤)] والمراد منه : جهنم البدن. وهي مستولية على البدن من أول التكوين والحدوث إلى آخره. وإما القوة العقلية فهي إنما تلوح بعد البلوغ ، وبعد رسوخ القوى الجسمانية في البدن. واستيلائها عليه. ثم إنها مجردة عن الأعوان والأنصار.
وإذا كان الأمر كذلك ، فحينئذ يظهر أن نور القوة العاقلة في جواهر النفوس الناطقة: يكون ضعيفا. وأما النفوس الفلكية والعقول المجردة ، فهي في ذواتها ، أعلى من أن يقال : إنها أنوار. وأما معارفها. فهي التعقلات
__________________
(١) من (طا ، ل).
(٢) من (م).
(٣) من (س).
(٤) المدثر ٣٠ وما بين القوسين : زيادة.