كان العلم بالذات بديهيا ، وهذا يقتضي أن يكون علمنا بذاتنا المخصوصة علما بديهيا ، وإذا ثبت هذا وجب أن تكون ذاتنا عبارة عن هذا البدن. فهذه الحجة مبنية على مقدمات [ثلاث (١)] :
المقدمة الأولى : إن علمنا بصفات نفوسنا : علم بديهي. والذي يدل عليه : أني أعلم بالضرورة : أني (٢) أبصرت وسمعت وقلت وعرفت ، وتفكرت ، واشتهيت ، وغضبت [ودخلت الدار وخرجت وسافرت إلى البلدة الفلانية ورجعت منها (٣)] ومن نازع في كون هذه العلوم ، علوما بديهية ، فقد نازع في أجلى العلوم البديهية وأقواها. فثبت : أن علمنا بصفات أنفسنا : علم بديهي.
والمقدمة الثانية : وهي قولنا : إن العلم بصفة النفس إذا كان بديهيا ، كان العلم بذات النفس ، يجب أن يكون بديهيا. فالدليل عليه (٤) : أن علمي بأني أبصرت وسمعت وعقلت ونظرت : حكم على نفسي بثبوت هذه الصفات لها. والحاكم بشيء على شيء ، لا بد وأن يكون قد سبق له تصور الطرفين أولا ، فلو كان علمي بوجود نفسي علما كسبيا ، فقبل ذلك الكسب : أكون شاكا في وجود نفسي. ومن كان شاكا في وجود النفس يمتنع أن يكون عالما بحصول الصفات المخصوصة بها. ولما دللنا على أن هذا العلم علم بديهي ، وجب أن يكون العلم بوجود النفس بديهيا. وهذا هو المسألة المشهورة عند العقلاء بأنه متى كان العلم بصفة الشيء بديهيا ، وجب أن يكون العلم بأصل الذات بديهيا.
والمقدمة الثالثة : إنه لما ثبت : أن علم كل أحد بنفسه المخصوصة ، علم بديهي. وجب أن تكون النفس هو هذا البدن ، أو شيء داخل فيه. والدليل
__________________
(١) سقط (ل).
(٢) بالضرورة عند قولي أنا أبصرت ... إلخ (م).
(٣) من (طا ، ل).
(٤) على ذلك (م).