عليه : أن إثبات شيء سوى هذا البدن وسوى أجزاء هذا البدن : أمر استدلالي لا ضروري. وذلك مما لا نزاع فيه بين العقلاء. وعند هذا ينعقد قياس من الشكل الثاني. وهو أن يقال : نفس كل واحد : معلوم له بالبديهة. والشيء المجرد الذي لا يكون جسما ولا جسمانيا : غير معلوم بالبديهة. ينتج : أن النفس يمتنع أن تكون عبارة عن الموجود الذي ليس بجسم ولا بجسماني. وهو المطلوب.
الحجة الثانية لمنكري هذا الجوهر المجرد : إنه لو كانت النفس عبارة عن جوهر مجرد ، ليس بجسم ولا حال في الجسم ، لكان قول القائل : تحركت وسكنت ودخلت الدار وخرجت منها ، وذهبت إلى السوق ، ورجعت منه إلى المسجد. كل ذلك [يوجب أن (١)] تكون أقوالا باطلة. لأن هذه الصفات ممتنعة الثبوت في حق الجوهر المجرد عن الجسمية. إلا أن هذه الأقوال معلومة الصحة بالبديهة. لأن كل عاقل قبل خوضه في هذه المضائق يعلم بالضرورة صدق قوله : دخلت الدار ، وخرجت منها. كما يعلم صدق قوله : علمت كذا ، وفهمت كذا. فالقدح فيه يكون قدحا في أظهر البديهيات.
فإن قالوا : حاصل هذا الدليل يرجع إلى التمسك بألفاظ الناس وإطلاقهم ، والألفاظ تحتمل الحقيقة والمجاز. فلعل مرادهم بقولهم : دخلت الدار وخرجت منها : أن «بدني» دخل الدار ، وخرج منها. وعلى هذا التقدير تسقط هذه الحجة.
فنقول في الجواب : إنا لا نمسك باللفظ المحض الذي يحتمل الحقيقة والمجاز ، بل نتمسك بشهادة صريح عقل كل أحد : بأنه هو الذي دخل في الدار وخرج منها ، [فشهادة العقل بمعاني هذه الألفاظ غير ، وشهادة العقل بذكر هذه الألفاظ غير (٢)] واعتمادنا في هذه الحجة : على القضية العقلية المعنوية ، لا على مجرد الإطلاقات اللفظية.
__________________
(١) من (م).
(٢) من (طا) ، (ل).