والدليل القاطع عليه : أنه إذا كان الإنسان عبارة عن جوهر النفس ، كان البدن مركبا له ، ومحلا لتصرفه. فكان دخول بدنه في الدار وخروجه منها ، جاريا مجرى دخول فرسه في الدار ، وخروجه منها. لكن كل عاقل يدرك تفرقة [بديهية (١)] بين قوله : دخلت في الدار وخرجت منها ، وبين قوله : دخل فرسي الدار ، وخرج منها.
ولما كان القول بأن النفس جوهر مجرد ، يوجب زوال هذه التفرقة المعلومة بالبديهة ، وجب أن يكون القول بإثبات النفس : باطلا.
الحجة الثالثة : لو كانت النفس عبارة عن جوهر مجرد ، له تعلق بهذا البدن بالتصرف والتدبير ، لم يبعد في أول (٢) العقل أن ينقطع تعلق هذه النفس بهذا البدن ، وتصير متعلقة بالبدن الثاني ، وبالعكس. وعلى هذا التقدير ، فإذا رأينا بدن «زيد» ثم رأيناه بعد ذلك وجب أن نبقى شاكين في أن هذا الإنسان. هل هو الإنسان الأول؟ لأن بتقدير أن يتبدل المدبر الأول لهذا البدن ، بمدبر آخر ، فقد تبدل ذلك الإنسان بغيره. كما أنا لما رأينا بيتا وجوزنا أن ملك ذلك البيت قد انتقل إلى مالك آخر ، فحينئذ لا نقطع عند رؤية ذلك البيت في المرة الثانية ، بأن مالكه هو المالك الأول. بل نبقى شاكين فيه. فكذا هاهنا وجب أن يبقى الشك في أن هذا الإنسان الذي نراه الآن ، هل هو الإنسان الذي رأيناه أولا؟
ولما لم يحصل هذا الشك لأحد من العقلاء ، وثبت : أن على تقدير أن يكون الإنسان شيئا آخر ، غير هذا البدن ، وجب حصول هذا الشك ، علمنا : أن القول بأن الإنسان شيء غير هذا البدن ، قول باطل.
فإن قالوا : التجويز الذي ذكرتم قائم على كل التقديرات ، لاحتمال أن الشخص الأول فني ، وحدث شخص آخر يساوي الأول في الصورة والخلقة.
__________________
(١) من (طا) ، (ل).
(٢) ثانيا (م).