الجوهر المجرد منفصل عن الجسم الموصوف بالصفات المذكورة ، فيرجع كلامكم إلى أنكم أثبتم للإنسان مدبرا. وكلامنا الآن ليس إلا في البحث عن حقيقة الإنسان ، لا في البحث عن مدبر الإنسان ، فإن عندنا مدبر الإنسان ومدبر جميع العالم هو الله سبحانه وتعالى.
الحجة العاشرة : وهي الحجة التي عليها تعويل المتكلمين. إن كل عاقل إذا قلت له : ما الإنسان؟ وما حقيقته؟ فإنه يشير إلى هذا الهيكل المخصوص ، وهذه البنية المخصوصة. ولو قلت له : الإنسان شيء آخر سوى هذه البنية. فإن جمهور العقلاء ببدائه عقولهم يكذبونه.
وأيضا : أوائل العقول قاضية بأن الخطاب متوجه إلى هذه البنية والثواب والعقاب متوجه إليها والذم والترهيب متوجه إلى هذه البنية. ولو أن رجلا قال : المأمور والمنهي : شيء آخر ، مغاير لهذه البنية. لرأيت العقلاء بأسرهم مطبقين على تكذيبه. وكل ما شهدت بدائه العقول ، وصرائح الأذهان ببطلانه ، كان بطلانه بديهيا أوليا. فثبت : أن العلم بأن الإنسان هو هذه البنية المشاهدة ، وهذا الهيكل المخصوص : علم بديهي. فكان القدح فيه باطلا. فهذه جملة دلائل [نقاة (١)] النفس الناطقة [والله أعلم (٢)].
__________________
(١) سقط (طا ، ل). والمراد : دلائل نفي كون النفس جسما ، لا جوهرا مجردا. مثل الروح.
(٢) من (م).