والجواب : إنه لما كان قبول البدن لتصرفات النفس ، لا يتوقف على حصول المماسة بين النفس وبين البدن ، وجب أن يكون الحال كذلك في تحريك سائر الأجسام. لأن جميع الأجسام متساوية في قبول الحركة (١) ونسبة النفس : إلى جميعها على السوية. لأن النفس إذا كانت مجردة عن الحجمية وعلائق الحجمية ، كانت نسبة ذاتها إلى الكل على السوية [ومتى كانت ذات الفاعل بالنسبة إلى الكل على السوية (٢)] وذات جميع القوابل بالنسبة إلى ذات الفاعل بالسوية ، وجب أن يكون التأثير بالنسبة إلى الكل على السوية ، فإذا استغنى الفاعل في الفعل عن مماسة محل الفعل في حق البعض ، وجب أن يكون الحال كذلك [في حق الكل وإن افتقر إلى المماسة في حق البعض ، وجب أن يفتقر إليها في حق الكل (٣)].
وأقصى ما في الباب أن يقال : النفس كالعاشقة لهذا البدن ، إلا أن هذا العشق الشديد يقتضي أن يكون تعلقها بهذا البدن أكثر ، وأن يكون تصرفها في هذا البدن أكثر. فأما أن يتغير مقتضى ذاتها بالنسبة إلى هذه الأجسام. فذاك محال. وهذا برهان يفيد اليقين في هذا المطلوب.
الحجة التاسعة : الحكماء اتفقوا على أن حد الإنسان ، هو أنه جوهر جسماني ، مغتذ ، نامي مولد حساس ، متحرك بالإرادة ، ناطق. فالجوهر الجسماني هو الذات وكونه مغتذيا ، ناميا مولدا ، حساسا ، متحركا بالإرادة ، ناطقا : صفات ستة. وهي صفات الجوهر الجسماني ، فيجب أن يكون الإنسان عبارة عن الجسم الموصوف بهذه الصفات ، فالقول : بأن الإنسان جوهر مجرد موصوف بهذه الصفات مناقض لهذا الكلام.
فإن قالوا : نسلم أن الإنسان عبارة عن الجسم الموصوف بهذه الصفات ، إلا أنا نثبت جوهرا مجردا ، يدبر الجسم الموصوف بهذه الصفات. قلنا : فذلك
__________________
(١) الأثر (م ، ط).
(٢) سقط (ل).
(٣) سقط (ل).