فلو فرضنا جوهرا مجردا مفارقا لهذا البدن ، لكان ذلك الشيء موجودا مغايرا للإنسان. فيكون الإنسان هو هذا البدن الموصوف بهذه الإدراكات الجزئية والكلية [والحركات الإرادية (١)] وهذا بحث نفيس.
الحجة الثامنة للقائلين بأن النفس جسم : لهم (٢) أن يقولوا : لو كانت النفس جوهرا مجردا عن الحجمية والتحيز ، لامتنع أن يتوقف فعلها على مماسة محل الفعل. لأن ما لا يكون متحيزا ، امتنع أن يصير مماسا للمتحيز. وإذا كان الأمر كذلك ، فحينئذ يكون فعلها على سبيل الاختراع من غير حاجة إلى حصول مماسة وملاقاة بين الفاعل وبين محل الفعل. ولو كان الأمر كذلك ، لوجب أن يقدر الواحد منا على تحريك الأجسام ، من غير أن يماسها ، ومن غير أن يماس شيئا يماسها. وذلك لأن جوهر النفس ، لما كانت قادرة على تحريك البدن من غير حصول مماسة بينها وبين ذلك البدن ، علمنا : أن جوهر النفس قادر على تحريك الجسم من غير واسطة المماسة. وسائر الأجسام قابلة للحركة ، ونسبة جوهر النفس إلى كل الأجسام على السوية ، فلما قدرت النفس على تحريك بعضها من غير المماسة وجب حصول قدرتها على تحريك البقية من غير المماسة ، ولما كان ذلك باطلا [بالبديهة (٣)] علمنا : أن النفس لا تقوى على التحريك ، إلا بشرط أن تماس ما يماسه. وكل ما كان مماسا لشيء من الأجسام ، فهو متحيز. فوجب أن يكون النفس جوهرا متحيزا. وهو المطلوب.
فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال : أن تأثير النفس في تحريك بدنها الخاص ، غير مشروط بالمماسة. وتأثيرها في تحريك الأجسام موقوف على حصول المماسة بين بدنها وبين تلك الأجسام؟ فإنكم ما لم تبطلوا هذا الاحتمال ، لا يتم دليلكم.
__________________
(١) من (ل ، طا).
(٢) هي أن نقول (ل).
(٣) سقط (ط).