فثبت بهذه الوجوه : إنا إذا أحسسنا بهذا السواد وبهذا البياض ، فقد حصل الإحساس بالسواد والبياض.
وأما السؤال الثاني ، وهو قوله : «هب أنا أدركنا السواد بحس البصر ، لكن لم قلتم : إنا أدركنا بحس البصر السواد من حيث إنه كلي»؟
فجوابه : إنا قد بينا في المنطق : أن الكلي قد يراد به الكلي المنطقي ، وهو نفس الكلية ، وقد يراد به [الكلي (١)] العقلي وهو مجموع الماهية [مع قيد كونها كلية. وقد يراد به الكلي الطبيعي ، وهي تلك الماهية (٢)] التي يمكن أن يحكم العقل عليها ، بكونها كلية. وكلامنا في هذا المقام في بيان أن الكلي الطبيعي مدرك بالقوة الحساسة. أما الكلي المنطقي والعقلي فلا حاجة إلى ذكر هما في هذا الباب. ثبت بما ذكرنا : إن النفس مدركة للجزئيات ، وكل ما كان مدركا للجزئيات ، فإنه يجب أن يكون مدركا للكليات الطبيعية.
وأما المقدمة الثالثة : فهي في بيان أن البدن موصوف بالقدرة على التحريكات الإرادية (٣). والدليل عليه : أن المحرك بالإرادة هو الذي يحرك بواسطة القصد والاختيار. واختيار الشيء مشروط بإدراك ماهيته ، فإن ما لا يكون متصورا ولا مشعورا به ، فإنه يمتنع القصد إلى تكوينه. فثبت : أن الفاعل المختار يجب أن يكون مدركا. فلما كان البدن هو المدرك ، وجب أن يكون الفاعل المختار : هو البدن ، أو شيء موجود في البدن.
وأما المقدمة الرابعة : وهي أنه لما ثبت أن البدن موصوف بالإدراكات الجزئية ، والإدراكات الكلية ، وبالحركات الإرادية ، كان جوهر البدن موصوفا بمجموع هذه الصفات. ولا معنى للإنسان إلا الجوهر الموصوف بهذه الصفات وذلك يوجب القطع بأن الإنسان هو البدن أو جسم موجود فيه وإذا ثبت هذا
__________________
(١) سقط (ط).
(٢) سقط (ط).
(٣) بالقوة على التحريك الإرادي (ط).