وبين آلتها : آلة أخرى. فثبت : أن القوة العقلية غنية في فعلها عن الآلة.
وأما بيان أن [كل (١)] ما كان غنيا في فعله عن الآلة ، وجب أن يكون غنيا في ذاته عن الآلة. فلوجهين :
الأول : إن القوى الجسمانية كالقوة الباصرة والسامعة ، والخيال والوهم ، لما كانت جسمانية. لا جرم تعذر عليها إدراك ذواتها ، وإدراكها لكونها مدركة لذواتها ، وإدراكها لتلك الأجسام الحاملة لها. فلو كانت القوة العقلية جسمانية ، لتعذر عليها هذه الأمور الثلاثة.
الثاني : إن مصدر الفعل هو (٢) الذات ، فلو كانت الذات متعلقة في قوامها (٣) ووجودها بذلك المحل ، كان الفعل لا محالة صادرا عن تلك الجهة. فيكون لتلك الجهة مدخل في تتميم ذلك الفعل ، فوجب أن لا يحصل ذلك الفعل إلا بشركة من تلك الأجسام. ولما ثبت أنه ليس كذلك ، وجب القطع بأن القوة العقلية : غنية عن الجسم في ذاتها. وهو المطلوب.
والاعتراض عليه : أن يقال : [لم قلتم (٤)] إن القوة العاقلة لما كانت وحدها هي المدركة لذاتها ، ولإدراكها لذاتها ، ولإدراكها لآلتها [وجب أن تكون جسمانية؟ قوله أولا : «إن القوى الحساسة ، لما كانت جسمانية ، لا جرم (٥)] تعذر عليها تلك الآثار الثلاثة. فالقوة العقلية لو كانت جسمانية ، لوجب أن يتعذر عليها هذه الآثار الثلاثة».
فنقول : ولم قلتم إنه لما ثبت حكم في قوة جسمانية ، وجب أن يثبت مثل ذلك الحكم في جميع القوى الجسمانية؟ وهل هذا إلا من باب التمثيلات (٦) التي بينوا في المنطق كونها فاسدة؟.
__________________
(١) من (ل).
(٢) صفة الذات (م ، ط).
(٣) فعلها (م).
(٤) سقط (ط).
(٥) من (طا ، ل).
(٦) باب التمثيل (م ، ط).