الشعلة الصغيرة حال ما تتخيل الشموس والأقمار. وأيضا : كما أن إبصار [الأشياء (١)] القوية القاهرة ، يمنع من إبصار الأشياء الضعيفة ، فكذا تعقل المعقولات القاهرة ، يمنع من تعقل المعقولات الضعيفة. ألا ترى أن المستغرق في معرفة جلال الله تعالى وكبريائه ، يمتنع عليه في تلك الحالة استحضار العلم بسائر الأشياء؟
الحجة الرابعة : إنا إذا حكمنا بأن السواد يضاد البياض وجب أن يحصل في الذهن ماهية السواد والبياض [بناء (٢)] على القاعدة المعلومة من أن الإدراك لا يحصل إلا عند حصول (٣) ماهية المدرك في المدرك. ثم إن البديهة قاضية بأن الجمع بين السواد والبياض ، والحرارة والبرودة في الأجسام : محال. فلما حصل هذا الاجتماع في القوة العقلية ، وجب أن لا تكون القوة العقلية قوة جسمانية وهو المطلوب.
والاعتراض عليه : إن هذه الحجة مبينة على أن من أدرك شيئا فقد حصل في ذات المدرك ماهية المدرك. وهذا الكلام لا يقبله العقل. فإنا إذا تصورنا الكرة ، فلو حصلت الكرية في النفس ، لوجب أن تكون النفس كرة لأنه لا معنى للكرة ، إلا الذات الموصوفة بهذا الشكل. وكذلك القول في السواد والبياض ، والحرارة والبرودة.
فإن قالوا : إن انطباع صورة الكرة في النفس ، مثل انطباعها في المرآة حين نشاهد الكرة في المرآة ، وكما لا يلزم من حصول صورة الكرة في المرآة ، أن تصير المرآة : كرة. فكذا القول في الإدراك النفساني. وأيضا : إنا إذا تصورنا السواد والبياض ، والحرارة والبرودة. فهذا لا يقتضي انطباع هذه الأعراض في النفس. وإنما الحاصل في النفس : صور هذه الماهيات ورسومها ومثالاتها.
__________________
(١) سقط (طا).
(٢) من (ل ، طا).
(٣) حضور (ل).