بني آدم. وجملة (إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) مما يدعم عدم صحة الاستئناس لأن في القرآن آيات لا تحصى متنوعة الصيغ تفيد أن التكليف محصور ببني آدم ، فيكون نذر الله محصورين بهم تبعا لذلك. من ذلك ما احتوى تقرير الله قد شاءت كلمة أن يكون بنو آدم خلفاء الله في الأرض كما يستفاد من آيات سورة البقرة [٣٠ و ٣٨ و ٣٩] وقد انطوى في الآيات بتقرير كون بني آدم هم موضوع التكليف حصرا. ومن ذلك ما انطوى فيه كون الله أراد منذ البدء خلق بني آدم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ، كما جاء في آيات سورة هود [٧] والملك [٢] وغيرها. ومن ذلك ما انطوى فيه تقرير كون الله ينزل آياته للناس ليفكر بها ويتدبرها ويعقلها أولو الألباب. وكل هذا شأن بني آدم خاصة. والآيات في هذا كثيرة كثرة تغني عن التمثيل. وفي سورة الأحزاب آية قطعية الدلالة على أن الإنسان هو المكلف وحده وهي (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ ..) [٧٢]. وفي سورة النحل هذه الآية (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [٣٦] التي تنطوي على شيء من المماثلة للجملة التي نحن في صددها قوية الصراحة في كون المقصودين من الجملة وكلمة (الأمة) هم بنو آدم. ومثل هذه الصراحة منطو في آيات سورة الإسراء [١٣ ـ ١٥] ولكل من هذه الآيات أمثال عديدة أخرى.
وفي الجملة نقطة أخرى تتحمل تعليقا. وهي تقريرها أن الله تعالى قد بعث في كل أمة سابقة من أمم الأرض من بني آدم نذيرا. وهذا التقرير منطو في آية سورة النحل [٣٦] التي أوردناها آنفا مع زيادة كون دعوة رسل الله ونذره جميعا هي توحيد الله واجتناب الأوثان كمبدأ جوهري ورئيسي. والرسل الذين قصّ القرآن سيرتهم وأممهم بالأسماء قليلون جدا. وقد استدركت هذا المعنى آية سورة غافر هذه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) [٧٨].