لسان السابقين (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) [٣٤]. وقد روى البغوي هذا الحديث بفرق في آخره وهو «وأما الظالم لنفسه فيحبس في المقام حتى يدخله الهمّ ، ثم يدخل الجنة فيقول الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور». ومنها حديث يرويه الطبري بطرقه عن أبي سعيد الخدري قال : «إن النبي صلىاللهعليهوسلم تلا هذه الآية فقال هؤلاء كلهم في الجنة». وحديث يرويه البغوي وابن كثير عن أسامة بن زيد قال : «تلا رسول الله الآية فقال كلهم من هذه الأمة». وحديث يرويه البغوي عن أبي عثمان النهدي قال : «سمعت عمر بن الخطاب قرأ على المنبر هذه الآية فقال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم سابقنا سابق ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له».
ويلحظ أن مصير الظالم لنفسه ومصير المقتصد ظل مسكوتا عنهما في الآيات. ويتبادر إلى الذهن أن حكمة ذلك قصد تركيز الثناء والتنويه بالسابقين في الخيرات ، وإفهام الناس وبخاصة المسلمين أنه لا ينبغي لمسلم أن يكون مقتصدا في القيام بواجباته نحو الله والناس ، فضلا عن أنه لا يجوز لمسلم أن يجترح السيئات ، وأن الخير كل الخير والفضل كل الفضل في السابقين في الخيرات الذين يجتهدون في القيام بواجباتهم على أحسن وجه وأوسعه وأفضله. وفي هذا ما فيه من تلقين جليل مستمر المدى.
على أن في شمول جملة (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) للصنفين الآخرين على ما ذكرنا وذكره غيرنا من المفسرين استلهاما من فحوى الآية يظل الباب مفتوحا لهما ، لكيفّ الظالم لنفسه عن سيئاته ويتوب إلى الله تعالى ، ويبدل المقتصد خطته ، ويبذل الصنفان جهدهما للّحوق بالسابقين. والبشرى والتنويه اللذان انطويا في الآية بالنسبة للسابقين مما يثير في الصنفين ذلك. ولعل ذلك مما استهدفته الجملة القرآنية.
وجملة (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) تنطوي على تنويه عظيم بالأمة الإسلامية ، وأذان بأنها قد استقر عليها الاصطفاء ، وإرث كتاب الله