بأبي جهل أن مثل هذا الحساب هو الذي جعله يقف موقف العداء والمناوأة الشديد الذي وقفه (١).
فكل هذا يفسر ما كثرت حكايته في القرآن من مواقف العناد والجدل والمكابرة والتأليب والتكذيب والتحدي والأذى والتهم الباطلة التي وقفها الزعماء والنبهاء الذين لم يكونوا أو لم يكن أكثرهم أغبياء وضعفاء الإدراك على ما تلهمه نصوص القرآن (٢) ، وما كثرت حكايته كذلك من الحملات الشديدة التي نزلت فيهم مما لا تكاد تخلو منه سورة مكية ، ومما مرّ منه أمثلة كثيرة في السور السابقة ، وأوردنا منه كثيرا من سور أخرى في سياق تفسير هذه السور ، فنكتفي بذلك دون إيراد نصوص أخرى لأن الأمثلة مبثوثة في مختلف السور القرآنية وبنوع خاص في المكية منها. وفي القرآن إلى هذا آيات تذكر ما كان من أثر تأليب الزعماء للسواد الأعظم ضد النبي صلىاللهعليهوسلم ودعوته حتى جعلوهم ينقبضون عنه مما كان من أسباب حكاية تلك المواقف والحملات. من ذلك آيات سورة سبأ هذه (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣٣) وآيات سورة الأحزاب هذه (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا
__________________
(١) روى ابن كثير في سياق تفسير الآيات [٣٣ ـ ٣٦] من سورة الأنعام أن أبا جهل قال : «تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ، أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا. وأعطوا فأعطينا. حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منّا نبي يأتيه الوحي من السماء. فمتى ندرك هذا. والله لا نؤمن به ولا نصدقه».
(٢) اقرأ الباب الثالث في حياة العرب العقلية في كتابنا عصر النبي عليهالسلام وبيئته قبل البعثة ص ٢٣٧ ـ ٣١٦
.