روى المفسرون (١) أنه نزل في مناسبة مجلس مناظرة انعقد بين النبي صلىاللهعليهوسلم ووفد من نصارى نجران بعد الهجرة ، مما يمكن أن يستأنس به بأن مثل هذا المجلس قد انعقد بين النبي صلىاللهعليهوسلم وبين فريق من النصارى في مكة وأن فصل سورة مريم الذي نحن في صدده قد نزل في صدد ذلك.
فآيات سورة مريم وروحها والآيات العديدة الواردة في السور الأخرى في شأن عيسى وولادته وعقيدة النصارى فيه ، وموقف العرب من ذلك ، تدل على أن عيسى عليهالسلام وشخصيته كانا موضع جدل ونقاش وأخذ ورد قبل نزول الآيات. فالعرب كانوا أو كان منهم من ينقدون اختلاف الكتابيين ونزاعهم ويقطعون على أنفسهم العهد أن يكونوا أهدى منهم لو جاءهم نذير ، ونزل بلغتهم كتاب على ما حكته آيات سورة فاطر التي سبقت هذه السورة مباشرة. وكانوا أو كان منهم من يرون أن عقيدة النصارى في المسيح قائمة على منطق غير سليم كما حكت ذلك آيات سورة الزخرف هذه : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢) وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (٦٤) واليهود كانوا يرمون مريم بالبهتان ويكفرون بعيسى وينعتونه بالكذب والسحر مما أشارت إليه بعض آيات القرآن مثل آيات سورة النساء هذه : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) (١٥٦) ومثله آية سورة المائدة هذه : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ
__________________
(١) انظر تفسير هذه الآيات في تفسير ابن كثير مثلا.