والمتبادر المستلهم من روح الآيات أنها مع سائر آيات الفصل الثاني كلام مستقلّ وأن المقصود بالآيات الثلاث كفار العرب. وأن هذا الفصل قد جاء تعقيبا التفاتيا للفصل السابق له. ويوثق ذلك تماثل الضمير في جمل (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) و (كادُوا يَكُونُونَ) و (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) وواوات العطف المستمرة في جميع آيات الفصلين.
ولعل في الآية [٢٤] صورة لما كان في نفس زعماء الكفار من استصغار لشأن النبي صلىاللهعليهوسلم ومن معه لما كانوا عليه من قلّة وضعف. وقد احتوت الآية ردا عليهم منددة بسخفهم متوعدة إياهم باليوم الآخر الذي يظهر فيه القوي من الضعيف والقليل من الكثير ؛ حيث لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم. وفي هذا كما هو المتبادر تسلية وتطمين للنبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين.
ويستلهم من الآية [٢٥] أنها جواب على تساؤل الناس عن موعد قيام القيامة ؛ حيث أمرت النبي صلىاللهعليهوسلم بإعلان عدم علمه به ثم عقبت الآية [٢٦] على هذا بأن ذلك من خصائص الله الذي لا يطلع على غيبه أحدا إلّا من ارتضى من رسول. وفي هذا تماثل لموقف حكته آيات السورة السابقة [١٨٦ ـ ١٨٧] مع فرق الاستثناء هنا. على أن روح الآيات هنا تلهم أنها ليست بسبيل استثناء علم ذلك الموعد. وتكرر السؤال والجواب يدلّ على أن أفكار الناس ظلّت تشتغل بالآخرة وموعدها بين مستعلم وساخر مما هو تجاوب طبيعي لكثرة ورود الوعد والوعيد بها. وقد يدل تماثل السؤال والجواب في هذه السورة وسابقتها على صحة ترتيبها في النزول.
وآيات هذا الفصل مصدر إلهام وتلقين جليل مستمر المدى. سواء أفيما احتواه من عادة الله في اختبار الناس بنعمه وتذكيرهم بواجب شكره ، أم في تنزيه النفس عن الدعاء والصلاة لغير الله في كل حال ، أم في نفي أي نفع وضرر من أحد على أحد إلّا الله ، أم في التنديد بالمغترين بقوتهم وعددهم. أم في تذكير الناس بإحاطة الله بكل شيء ووجوب مراقبته وابتغاء رضائه والبعد عن موجبات سخطه وغضبه.