عديدة أخرى أن الشياطين إنما يتسلطون على الغاوين الذين يستحبون الضلال على الهدى دون المخلصين.
وبهذا التأويل يتسق فحوى النصوص القرآنية ولا يبقى محل للتوهم فيها. وهذا التأويل مؤيد بآيات عديدة أوردناها وشرحناها في مناسبات مماثلة. فالله لا يضل إلّا الظالمين والفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ، ويفسدون في الأرض ، على ما جاء في آية سورة إبراهيم [٢٧] وآيات سورة البقرة [٢٦ ، ٢٧] وكثير مثلهما. وفي سورة الزخرف آيات مؤيدة أيضا ، ذكر فيها تسليط الله الشيطان على الذين يعشون عن ذكر الله وحسب ، وهي هذه (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٤٠).
وهذا فضلا عما في الآية من تقريع لاذع للكفار فيه إزالة للتوهّم. فهم إنما يقفون موقفهم بتأثير الشياطين الذين لا يتسلطون إلّا على أمثالهم من فاسدي النية والخلق.
وضمير المخاطب في الآية التي نحن في صددها والتالية لها عائد إلى النبي صلىاللهعليهوسلم على الأرجح بقصد تثبيته وتطمينه. فإذا كان الكفار يندفعون في طريق الغواية فإنما هم مساقون بيد الشياطين فلا موجب للاغتمام والاستعجال ، وعليه أن يوطن النفس على الصبر قليلا ، وإذا كان الله لم يعجل بعذابهم فليس ذلك إهمالا وغفلة وإنما هو إمهال. وفي هذا أيضا ينطوي تصويب للشرح الذي شرحناه.
(وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي