الآيات استمرار للسياق. والخطاب فيها موجه للكفار المكذبين الذين كانوا موضوع الآيات السابقة. وقد احتوت تنبيهات وتقريرات وتنديدات بسبيل البرهنة على قدرة الله تعالى على البعث الذي ينكرونه ويكذبونه :
فالله تعالى خلقهم فكيف لا يصدقون بأنه قادر على خلقهم مرة ثانية؟ وهل هم الذين خلقوا المني الذي هو سبب النسل! أم الله الذي قدر على الناس الموت والذي لا يستطيع أحد أن يغلبه ويسبقه ويمنعه عن تبديلهم بخلق آخر وإنشائهم على حال غير حالهم حينما يشاء وأنى شاء. ولقد عرفوا هذه القدرة الربانية واعترفوا بها فكيف نسوا ذلك ولم يتذكروه وأنكروا قدرته على بعث الخلق ثانية.
وهل هم الذين ينبتون الزرع الذي يحرثون الأرض له ويبذرون بذاره أم الله تعالى القادر على أن يجعله حطاما لا غلة فيه ولا ثمر. ولو فعل هذا لما كان منهم إلّا الحسرة والندم وندب الحظ بما أصابهم من خسارة وحرمان.
وهل هم الذين أنزلوا من الحساب الماء الذي يشربون أم الله تعالى القادر على إنزاله ملحا أجاجا ، فكيف لا يشكرونه على نعمه ويعترفون بربوبيته وقدرته.
وهل هم الذين خلقوا الشجر الذي يوقدون منه النار أم الله تعالى الذي جعله نافعا للناس جميعهم حضرهم وبدوهم وبخاصة للمقوين منهم.
وقد أمرت الآية الأخيرة النبي صلىاللهعليهوسلم أو السامع المؤمن إطلاقا بتقديس الله وتنزيهه عما يقوله الكفار المكذبون جريا على الأسلوب التخاطبي المألوف حينما يصدر من أحد قول أو فعل فيه افتراء على الله أو جحود لقدرته أو سوء أدب إزاءه.
والآيات قوية في صدد ما نزلت لأجله ومستحكمة في الكفار لأنهم يعترفون بأن الله هو خالق السموات والأرض على ما حكته آيات القرآن التي منها آية الزخرف هذه (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) (٩) وآية سورة الزخرف هذه أيضا (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٨٧).