وكلمة (الأقصى) بمعنى الأبعد أو البعيد جدا. وتعبير (المسجد الأقصى) عنى فيه نزول الآية مكان معبد بيت المقدس الذي أنشأه سليمان على الأرجح على ما شرحناه في سياق سورة ص. وكان المعبد حينئذ خرابا فأطلق التعبير عليه على اعتبار ما كان. وقد ذكر هذا التعبير في أحاديث نبوية وهو على ما هو عليه من خراب ، من ذلك الحديث الذي أوردناه قبل. ومن ذلك حديث رواه أبو داود وأحمد وابن ماجه عن أم سلمة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «من أهلّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ووجبت له الجنة» (١) وحديث رواه أبو داود وابن ماجه عن ميمونة مولاة النبي صلىاللهعليهوسلم قالت «قلت يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس فقال ائتوه فصلّوا فيه فإن لم تأتوه وتصلّوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله» (٢).
وأول من بنى مسجدا في ساحته هو الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان على أرجح الروايات وإطلاق المسلمين التعبير على هذا المسجد هو إطلاق تطبيقي للتعبير القرآني النبوي على ما هو المتبادر. ولما لم يكن في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم بناء لمسجد في هذه الساحة فيكون ذكره في الأحاديث على اعتبار ما كان وعلى اعتبار ما سوف يكون ، وفي حديث ميمونة خاصة كشف نبوي بما سوف يكون ، والله تعالى أعلم.
(وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ
__________________
(١) التاج ج ١ ص ٢١٠.
(٢) المصدر نفسه.