عنه ، تمنى فقال ليته لا ينزل عليّ شيء ينفرهم مني وقارب قومه ودنا منهم ودنوا منه. وجلس يوما مجلسا من ناد حول الكعبة فقرأ عليهم (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) (١) حتى إذا بلغ (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (٢٠) ألقى الشيطان كلمتين على لسانه وهما (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى) ثم مضى فقرأ السورة كلها وسجد وسجد القوم معه جميعا وقالوا قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فأما إذ جعلت لها نصيبا فنحن معك فكبر ذلك على الله فلما أمسى أتاه جبريل فقال له قلت على الله ما لم يقل فأوحى إليه (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) إلى قوله (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) (٧٥) وبلغ الخبر للمهاجرين في أرض الحبشة بأن أهل مكة أسلموا فبادروا إلى العودة حتى إذا كانوا دون مكة لقوا ركبا من كنانة فسألوهم فقالوا ذكر محمد آلهتهم بخير فتابعوه ثم ارتد عن ذلك وعاد إلى شتم آلهتهم فعادوا له بالشر فائتمر العائدون فعاد أكثرهم ثانية إلى الحبشة وعاد معهم آخرون مجددا. وقليل منهم رحل إلى مكة بجواره ، وإن الحادث وقع في السنة الخامسة من البعثة (١).
وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الصحاح ، ومع ذلك فروح الآيات ومضمونها متسقان مع رواية ما من الروايات الأربع دون الخامسة بقرينة ما حكته بعض الآيات من أمل كان يداعب الكفار بمداهنة النبي لهم ليداهنوه كما جاء في سورة القلم (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (٩) وكانوا يحلفون له فأمره الله في الآيات التالية لهذه الآية بعدم طاعتهم ثم حمل عليهم حملة قارعة على ما سبق شرحه في تفسير السورة. هذا مع التنبيه على أن عبارة الآيات صريحة بأن ما حكته كان خاطرا وقع في نفس النبي صلىاللهعليهوسلم ولم يفعله.
بقيت الرواية الخامسة ، ولقد رواها المفسرون في سياق تفسير آيات سورة الحج هذه (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي
__________________
(١) انظر الصفحات ١٨٩ ـ ١٩١ من الجزء الأول من طبقات ابن سعد مطبعة نشر الثقافة الإسلامية في القاهرة.