لا تسألوه فإنّه يسمعكم ما تكرهون. فقالوا يا أبا القاسم حدّثنا عن الروح فقام النبيّ ساعة ورفع رأسه فعرفت أنّه يوحى إليه حتّى صعد الوحي ثمّ قال (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥)» (١) وروى الطبري أن اليهود قالوا للنبي حينما تلا عليهم الآية جوابا على سؤالهم «أتزعم أنّا لم نؤت من العلم إلّا قليلا وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فنزلت الآية (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ...) لقمان : [٢٧] فقال لهم ما أوتيتم من علم فنجّاكم به الله من النار هو كثير وهو قليل في علم الله» وروى عن قتادة أن اليهود تغشوا الرسول فسألوه عن الروح وعن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين فأنزل الله في كتابه ذلك كله. وروى البغوي عن ابن عباس أن قريشا اجتمعوا وقالوا إن محمدا نشأ فينا بالأمانة والصدق وقد ادّعى ما ادّعى فابعثوا نفرا إلى اليهود بالمدينة واسألوهم عنه فإنهم أهل كتاب فبعثوا إليهم فقالوا سلوه عن ثلاثة أشياء فإن أجاب عن كلّها أو لم يجب عن شيء منها فليس بنبي وإن أجاب عن اثنتين ولم يجب عن واحدة فهو نبي. سلوه عن فتنة في الزمن الأول كان لهم حديث عجيب. وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها ، وعن الروح. فسألوه فقال النبيّ أخبركم غدا بما سألتم ولم يقل إن شاء الله فلبث الوحي اثنتي عشرة ليلة أو أكثر في رواية ، وأهل مكة يقولون وعدنا محمد غدا وأصبحنا لا يخبرنا بشيء حتى حزن النبي صلىاللهعليهوسلم من مكث الوحي ، وشقّ عليه ما يقوله أهل مكة ثم نزل جبريل بقوله (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) الكهف : [٢٣ ـ ٢٤] وما بعدها وهي الآيات [٢٣ ـ ٢٤] من سورة الكهف ثم نزل في الفينة آيات سورة الكهف [٩ ـ ٢٥] وفي من بلغ الشرق والغرب (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) الآيات [٨٣ ـ ٩٩] من سورة الكهف وعن (الرُّوحِ) الآية التي نحن في صددها.
هذا في صدد مصدر السؤال ، وفي ماهية الروح قولان يرويهما الطبري عن
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ١٤٥.