خشيته من نفاد ما في يده والتقتير بسبب ذلك ؛ وتقرر أن الله لا يستشعر بشيء من هذا لأن خزائن رحمته لا تنفد.
ولا يروي المفسرون رواية ما في صدد الآية. وبدؤها بالأمر بالقول مع ضمير الجمع المخاطب قرينة على أن الآية متصلة بموقف الكفار الذي حكته الآيات السابقة ، ولعلها انطوت على جواب لسؤال أورده الكفار على سبيل التحدي وهو ما بالهم ما يزالون أحياء يرزقون متمتعين بمتع الحياة وزينتها ونعيمها مع كفرهم بالنبي صلىاللهعليهوسلم واليوم الآخر ، فأجيبوا بما انطوى فيه أن الله قد جعل لهم أجلا هو آت لا ريب فيه ، وأن سنته اقتضت تيسير الرزق للناس خلال الأجل المضروب لهم وهو المتصف بالرحمة وليس هو كالبشر يخشى نفاد ما في خزانته.
وواضح أن الجواب متسق مع ما اعتاده البشر من عادات وطبائع بسبيل الإلزام والإفحام.
ووحدة النظر والتساوق تسوغ القول إن الآية لم تنزل فور ما فرضناه من سؤال ، فهو على ما هو المتبادر سابق بمدة ما. وقد احتوت الآية جوابا عليه في مناسبة ذكر أقوال ومواقف الكفار في سياق متصل.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤)) [١٠١ الى ١٠٤]
(١) مثبورا : هالكا. وقيل إنها بمعنى مصروفا عن الخير ، وأن ثبر بمعنى صرف أيضا وقيل كذلك إنها بمعنى مغلوبا أو مخبولا.
(٢) لفيفا : جماعات الناس على اختلافهم وقيل بمعنى جميعا.