المقصودون بالذين أوتوا العلم ـ وموقفهم من القرآن والدعوة المحمدية. وهو مشهد تأييدي وموقف إيمان ويقين بصدق الدعوة والقرآن وصلتهما بالله ، وإنه كان مشهدا مشهودا كان له أثر بليغ في أوساط مكة مسلميها ومشركيها على ما تلهمه فحوى الآيات وروحها وقوة التحدي فيها.
ووصف (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) وإن كان يعني فريقا من أهل الكتاب فالمتبادر أنه يلهم أن هذا الفريق كان من علمائهم ورجال الدين فيهم. وهذا هو المتسق مع ما تلهمه الآيات من خطورة الحادث وعظم أثره في تلك الأوساط ، ومن المحتمل أن يكون هذا المشهد لكتابيين مقيمين في مكة أو لكتابيين وفدوا عليها لاستطلاع خبر النبي صلىاللهعليهوسلم. ونحن نرجح أن هذا المشهد والفريق الذي سجل له هما في المشهد والفريق الذي سجل له في آيات سورة القصص [٥٢ ـ ٥٥] التي مرّ تفسيرها والتعليق عليها ، وهكذا تتلاحق المشاهد العيانية العظيمة المدى في العهد المكي من أهل الكتاب وعلمائهم الذين حين كانوا يستطيعون التجرد عن هواهم وماربهم وتعصبهم يسارعون إلى الإيمان بالرسالة المحمدية.
وجملة (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) المحكية عن أصحاب المشهد مهمة وذات مغزى خطير. ولقد جاء في آية الأعراف [١٥٧] أن أهل الكتاب يجدون صفة النبي محمد صلىاللهعليهوسلم مكتوبة عندهم في التوراة والإنجيل ، ويكون معنى الجملة أنهم لما رأوا أعلام النبوة المحمدية قالوا إن الله قد صدق وعده في إرساله. وكان ذلك مما زاد يقينهم وخشوعهم وبكاءهم.
(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١)) [١١٠ الى ١١١]
(١) لا تخافت بها : خفت صوته بمعنى ضعف حتى لا يسمع وما تسمعه