العظام بعد أن تصبح رميما فتاتا متحدّيا بذلك ربّه العظيم الذي خلقه من تلك النطفة ومتجاهلا قدرته. واحتوت الآيات التالية أمرا ربانيا للنبي بالردّ على هذا الإنسان السائل المتحدي المتجاهل ردّا قويا فيه تنديد لاذع بعبارة واضحة موجهة إلى العقل والقلب وفيه تدليل هنا على قدرة الله على إعادة الخلق وعظمته بما لا يمكن المكابرة فيه مما يقع تحت المشاهدة.
وقد روى المفسرون (١) أن أبيّ بن خلف أو العاص بن وائل من زعماء الكفار أخذ في موقف جدل بينه وبين النبي صلىاللهعليهوسلم عظمة بالية وفتتها ثم قال له كيف تزعم أن ربّك يبعث الناس وقد صارت عظامهم رميما!.
والرواية محتملة الصحة. غير أننا نلاحظ أن السياق كلّه أي هذه الآيات وما قبلها منسجم يدلّ على الوحدة التقريرية والإلزامية والتنديدية. والذي يتبادر لنا من ذلك أن حكاية هذا الموقف قد جاءت كإشارة عرضية إلى بعض أسئلة الكفار ومواقفهم الساخرة بسبيل الردّ والتنديد مما تكرر كثيرا في النظم القرآني.
وأسلوب الآيات قويّ من شأنه أن يفحم المجادل المكابر وأن يقطع عليه نفس الكلام والمكابرة. وفيه من الإفحام ما يظلّ مستمد إلهام وقوة في صدد التدليل على قدرة الله عزوجل وعظمته كما هو المتبادر. ولقد كان السائلون يعترفون بالله عزوجل وكونه خالق الأكوان ومدبّرها ومالك كل شيء ومرجع كل شيء على ما نبهنا عليه وأوردنا شواهده القرآنية في مناسبات سابقة ومن هنا يأتي الإفحام لهم قويا ملزما. غير أن هذا يظلّ كذلك دائما لأن دلائل وجود الله وقدرته مائلة في كل شيء لا يكابر فيها إلّا مكابر أو جاهل.
__________________
(١) انظر تفسير الآيات في الطبري وابن كثير والطبرسي والخازن.