إذا كان من قومه من لا يؤمن بما جاء به فإن منهم من آمن وسوف يؤمن به ، وعلى هذا يكون الخطاب الذي أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بتوجيهه موجها للمكذبين فقط ليعلنهم في ما إذا أصروا على تكذيبهم أن كلا منهم يتحمل تبعة عمله وكلا منهم بريء مما يعمله الآخر. وبعض المفسرين قالوا (١) إن الآيتين في صدد الكفار المكذبين ، وإن الآية الأولى تضمنت تقرير أن من الكفار من يؤمن في سرّه بصدق القرآن وصحة الرسالة وإنما يكذب عنادا ومكابرة ، ومنهم من لا يؤمن ولا يصدق.
ويلحظ أن الآيتين معطوفتان على الآيات السابقة لهما التي يدور الكلام فيها على الكفار وتكذيبهم وتقريعهم ، وأن الضمائر فيهما عائدة إليهم أيضا ، وفحوى الآية الثانية قاصر على ما تلهمه روحها على الفريق الكافر فقط ، وليس فيها ما يفيد تقسيمهم إلى مؤمن صادق وكافر ، وهذا يجعلنا نرجح قول الفريق الثاني من المفسرين.
وهناك روايات تذكر أن منهم من كان يقرّ في قرارة نفسه أن القرآن كلام الله ولكنه يعلن تكذيبه مداراة للناس أو عنادا كمثل الروايات التي رويت عن الوليد بن المغيرة أنه سمع النبي صلىاللهعليهوسلم يقرأ فقال لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو وما يعلى. وكان من نبهاء قريش فعلم بقوله أبو جهل فذهب إليه يؤنبه ويعاتبه ويثير غضبه على النبي صلىاللهعليهوسلم حتى تراجع (٢). وفي رواية أخرى أن الوليد جاء إلى أبي بكر رضي الله عنه فسأله عن القرآن فتلا عليه منه ما تيسر فجاء إلى رجال قريش فقال يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة (يعني النبي صلىاللهعليهوسلم) فو الله ما هو بشعر ولا بسحر ولا يهذي من الجنون وإن قوله لمن كلام الله ، فخاف رجال قريش أن يؤمن ويعدي غيره ، فجاء إليه أبو جهل يعيره ويوبخه ويثير حميته حتى تراجع (٣).
__________________
(١) انظر تفسير الآيات في تفسير القاسمي والطبرسي والزمخشري.
(٢) انظر تفسير سورة المدثر في تفسير البغوي.
(٣) انظر تفسير السورة المذكورة في تفسير ابن كثير.