القتال. وهذا يذكر في سياق كل آية مكية مماثلة. والمتبادر أن هذا إنما يصح بالنسبة إلى من يقف موقف العدوان من الإسلام والمسلمين وحسب وقد شرحنا هذا الأمر في سياق سورة (الكافرون) شرحا وافيا.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣)) [٤٢ الى ٤٣]
لا يروي المفسرون كذلك رواية ما في نزول هاتين الآيتين وهما معطوفتان على ما قبلهما ، والمتبادر أنهما استمرار للسياق والتنديد. وقد وجه الخطاب فيهما للنبي صلىاللهعليهوسلم أيضا كسابقتيهما فمن الكفار من يستمع إلى ما يتلوه من قرآن ولكنه يقف منه كالأصم الذي لا يسمع وليس عليه أن يسمع الصمّ الذين لا يسمعون ولا يعقلون ما يقال لهم. ومنهم من ينظر إليه ولكنه يقف كالأعمى فلا يرى أعلام نبوته وصدق مظاهرها فيما يقول ويفعل وليس عليه أن يهدي العمي الذين لا يبصرون.
وظاهر أن الآيتين بسبيل تصوير شدة إصرار الكفار على العناد والمكابرة بالرغم مما يسمعونه من حجج القرآن وروحانيته ويرونه من دلائل صدق النبي صلىاللهعليهوسلم في صميميته ودعوته وأفعاله وتفرغه لها وإشفاقه عليهم من غضب الله ونقمته. ويلمح فيهما أيضا قصد تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم وإيذانه بأنه قد قام بواجبه وأنه غير مكلف بعمل المستحيل من إسماع من لا يستطيع السمع وإراءة من لا يستطيع الرؤية وإقناع المكابر العنيد الصادر عن سوء النية وخبث الطوية.
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)) [٤٤]
(١) لا يظلم : بمعنى لا يجور.
(٢) أنفسهم يظلمون : ينحرفون عن جادة الحق فيضرون أنفسهم ويجورون عليها.