ولقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس أن الاختلاف المذكور في الآية الأخيرة هو اختلاف بني إسرائيل على النبي صلىاللهعليهوسلم وأن المقصود بالعلم هو القرآن ، غير أن معظم المفسرين بما فيهم الذين رووا ذلك رجحوا كون الاختلاف هو ما كان فيما بينهم. وهذا هو الأوجه الذي يلهمه مضمون الآية نفسها ويؤيده آيات عديدة أخرى مكية ومدنية منها آية سورة النمل التي مر تفسيرها والتي جاء فيها : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٧٦).
وفي الآية على ما يتبادر معنى التنديد ببني إسرائيل وبخاصة بعلمائهم ، فالمقتضى أن يكون العلم سببا للوفاق لأنه يحسم الخلاف الذي يقوم على الظن والتخمين والاختلاف بعده شذوذ عن المقتضى الحق. ويكون هذا الشذوذ ناشئا عن الولع بالتأويل والتخريج المتناقضين مع المبادئ والأسس التي جاء بها رسلهم من الله لأنها من حيث الجوهر لا تتحمل خلافا ولا نزاعا.
ولقد كان العرب متصلين باليهود في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم وواقفين على ما هم عليه من خلاف ونزاع ، فكان هذا يثير فيهم العجب والاستغراب ويحدوهم إلى الاحتجاج به في سياق ما كان يقوم بينهم وبين النبي صلىاللهعليهوسلم من نقاش وحجاج ، وحينما كان القرآن يستشهد بأهل الكتاب الذين منهم اليهود على صحة الرسالة المحمدية والوحي القرآني ، فأريد بهذه الآية وما جاء من بابها بيان حقيقة الأمر ووضعه في نصابه الحق. ولا تخلو العبارة القرآنية من تحذير وتلقين مستمري المدى موجهين إلى المسلمين في كل ظرف ومكان حتى لا يحذو حذوهم في الاختلاف في التأويل والتخريج أتباع الأهواء إلى الحد الذي يخرجهم عن مقتضى العلم والحق.
(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا