وننبه إلى أن روح ومضمون الآيات التي وردت فيها وبخاصة التي لم يرد ذكر إبراهيم عليهالسلام فيها مثل الآية التي نحن في صددها ، ومثل آية سورة الحج هذه : (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) (٣١) يلهمان أن معناها الاستقامة على توحيد الله والاتجاه إليه وحده وعدم الشرك به بصورة عامة ، والقول إن معناها لم يكن مجلوا في ذهن النبي صلىاللهعليهوسلم وقاحة أكثر منها أي شيء آخر ، ويظهر هذا في وضوح معنى الكلمة في آيات القرآن التي وردت فيها. والقول إنها أعجمية غريب وبخاصة إذا لاحظنا أن العرب كانوا يتسمون باشتقاقها ويعنون ما يريدون من التسمية كالأحنف والحنفاء ، والقول إنها منحوتة من بني حنيفة سخيف لأن الكلمة استعملت في القرآن قبل ظهور مسيلمة بني حنيفة.
على أن استعمالها في وصف ملة إبراهيم عليهالسلام وفي مقام التعبير عن التوحيد والاستقامة عليها أو الانحراف عن الشرك والدين الباطل وفي مقام التعبد والتورع يدل على أنها كانت تستعمل قبل نزول القرآن في معنى ديني خاص أو وصف ديني خاص ، ولا نستبعد أن تكون أطلقت أو أطلق جمعها على الذين تخلوا عن دين الجاهلية وشركها ووثنيتها واتجهوا إلى الله وعبدوه على ملة إبراهيم الحنيفية ، أو ما ظنوه كذلك موحدين غير مشركين على ما ذكرته الروايات وفصلناه في كتابنا عصر النبي صلىاللهعليهوسلم وبيئته قبل البعثة (١).
__________________
(١) انظر عصر النبي صلىاللهعليهوسلم وبيئته قبل البعثة ص ٤١٩ ـ ٤٣٤.