على أننا لا نرى إشكالا من جهة التعبير لورود جملة (إِلَّا بِإِذْنِهِ) لأن جملة (إِلَّا بِإِذْنِهِ) تحل كل إشكال. ومع ذلك فإننا لا نرى المقام يستدعي الإشكال في أصله. ونرى أن التعبير أسلوبي قصد به تصوير شدة الهول الأخروي وأثره. ويمكن أن يقال أيضا بالإضافة إلى واجب المسلم بالإيمان بما ذكره القرآن من مشاهد أخروية إن تنوع الأسلوب القرآني في أوصاف مشاهد الآخرة وحسابها وعذابها ونعيمها متأتّ من تنوع المشاهد والمواقف بين النبي صلىاللهعليهوسلم والكفار أولا وأنه يمكن أن يكون قرينة على ما ذكرناه في مناسبات سابقة من أن الترهيب والترغيب مقصودان لذاتهما في الآيات القرآنية ثانيا. ولعل من القرائن على ذلك كون الأوصاف والصور والمشاهد الأخروية الواردة في القرآن هي في نطاق مألوف السامعين من مشاهد وصور وأوصاف دنيوية تتصل بالنعيم والعذاب ومجالس القضاء إلخ حتى يكون لها تأثير في السامعين الذين لا يتأثرون إلّا بما هو معروف ومجرب عندهم ولا يفهمون إلا ما هو في نطاق معارفهم. هذا مع تكرار تقرير كون الحياة الأخروية من المسائل الإيمانية الغيبية التي يجب الإيمان بما جاء عنها في القرآن مع الوقوف في ذلك عند ما وقف القرآن بدون تزيد ولا تخمين. مع تكرار القول أيضا إن آيات المشاهد الأخروية من المتشابهات التي تتحمل تأويلات عديدة ومنها ما لا يعلم تأويله إلا الله وأن هذا يوجب كذلك الوقوف عند ما وقف القرآن مع استشفاف الحكمة التي يتبادر أن منها ما مر ذكره والله أعلم.
(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩)) [١٠٩]
في الآية تقرير بأن الكفار إنما يعبدون ـ كما كان يعبد آباؤهم ـ عبادات باطلة ، وإنه ليس في ذلك محل للشك والمراء ، وتوكيد بأن الله تعالى سوف يوفيهم استحقاقهم على ذلك بدون نقص.
واتصال الآية بما سبقها ظاهر من حيث إنها في صدد الكفار الذين كانوا موضع الحديث والإنذار كما يدل عليه الضمير الراجع إليهم.