(وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢)) [٥١ الى ٥٢]
(١) جاهدهم به : أي ابذل الجهد في حجاجهم وإنذارهم. وضمير (بِهِ) عائد إلى القرآن على ما روي عن ابن عباس. والمفسرون الذين صرفوا الضمير في جملة (صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ) قالوا إن ضمير (بِهِ) عائد إلى القرآن أيضا وهذا ما جعلنا نرجّح انصراف الضمير في (صَرَّفْناهُ) إلى القرآن أيضا.
وتفيد أقوال معظم المفسرين (١) في تأويل الآية الأولى أنها من قبيل تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم وتثبيته في مهمته والتنويه بقدره ، فالله لو شاء لأرسل إلى كل قرية ومدينة رسولا فخفّف عنه العبء وكفاه مؤونة الجهد العظيم الذي حمّله إيّاه لإبلاغ الرسالة إلى جميع العالم ، ولكنه اختصّه بذلك لعظم منزلته ورفعة شأنه عنده ، وقالوا (٢) في تأويل الآية الثانية ما يفيد أنها استمرار لما في الآية الأولى من مقصد حيث تهيب بالنبي صلىاللهعليهوسلم وقد حمّله الله الرسالة العظمى العامة أن يجاهد بالقرآن جهادا كبيرا متواصلا وألّا يطيع الكافرين أو يتهاون معهم.
وهذا التأويل يجعل الصلة قائمة بين هذه الآيات والآيات السابقة لها كما هو المتبادر.
على أنه تبادر لنا من الآية الأولى أنها جواب على سؤال أو تحدّ صدر عن الكفار حيث تساءلوا عن سبب عدم إرسال الله تعالى رسلا إلى المدن الأخرى ، وقد تضمّن الجواب أنّ ذلك في نطاق قدرة الله وإنه إذا لم يفعله فلأن النبي الذي اصطفاه وأرسله هو أهل للاضطلاع بالمهمة على أوسع شمولها ، وقد تبادر لنا كذلك من الآية الثانية أنها في صدد عروض عرضها الكفار على النبي صلىاللهعليهوسلم من مسايرة أو مداهنة مما تكرر صدوره منهم وتكررت الإشارات القرآنية إليه على ما
__________________
(١) انظر تفسير الآيتين في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والطبرسي والخازن والكشاف.
(٢) انظر المصدر نفسه.