الأصيل بينهم وهم يعملون السيئات ، وبين المؤمنين الذين يعملون الصالحات ؛ والقرآن يشعرهم بأن هناك فارقا أصيلا في ميزان الله بين الفريقين :
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٢١).
ونرى فريقا من الناس لا يعرف حكما يرجع إليه إلّا هواه فهو إلهه الذي يعبده ، ويطيع كل ما يراه ؛ نرى هذا الفريق مصوّرا تصويرا فذا في هذه الآية التي تبدي العجب من أمره ، وتشهّر بغفلته وعماه.
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٢٣).
أرأيت كيف تناولت هذه السورة الهادئة ، أصناف المشركين وفرقهم المناوئة للدعوة؟ وربما كان هؤلاء جميعا فريقا واحدا من الناس يصدر منه هذا وذاك ، ويصفه القرآن في السورة هنا وهناك ، كما يجوز أن يكونوا فرقا متعددة.
وعلى أي حال فقد واجه القرآن هؤلاء الناس بصفاتهم تلك وتصرفاتهم ، وتحدث عنهم في هذه السورة ذلك الحديث ، كذلك واجههم الله تعالى بآياته في الآفاق ، وفي أنفسهم ، وفي البر والبحر ؛ يقول سبحانه :
(اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (١٣).
ويستغرق الدرس الأول من السورة الآيات [١ ـ ٢٣].
عناد الكافرين وعقابهم يوم الدين
يشمل الدرس الثاني من السورة الآيات [٢٤ ـ ٣٧].
ويبدأ بعرض أقوال المشركين عن الآخرة وعن البعث والحساب ، ودعواهم أنّ الأيام تمضي ، والدهر ينطوي ، فإذا هم أموات ، والدهر في ظنهم هو الذي ينهي آجالهم ، ويلحق بأجسامهم الموت فيموتون ؛ وقد فنّد القرآن هذه الدعوى وبيّن أنّها لا تستند إلى حقيقة أو يقين ، وإذا قرعتهم