لا تدعها لحظة واحدة من المولد إلى الممات ، إلى البعث ، إلى الحشر ، إلى الحساب ؛ وهي رقابة شديدة دقيقة رهيبة ، تطبق على هذا المخلوق الإنساني الضعيف إطباقا كاملا شاملا ، فهو في القبضة التي لا تغفل عنه أبدا ، ولا تغفل من أمره دقيقا ولا جليلا ، ولا تفارقه كثيرا ولا قليلا. كلّ نفس معدود ، وكلّ هاجسة معلومة ، وكلّ لفظ مكتوب ، وكلّ حركة محسوبة. والرقابة الكاملة الرهيبة مضروبة في وساوس القلب ، كما هي مضروبة على حركة الجوارح. ولا حجاب ولا ستار دون هذه الرقابة النافذة ، المطّلعة على السرّ والنّجوى اطّلاعها على العمل والحركة ، في كلّ وقت ، وفي كلّ حال.
وكلّ هذه حقائق معلومة ، ولكنها تعرض في الأسلوب الذي يبديها وكأنها جديدة ، تروع الحس روعة المفاجأة ، وتهزّ النفس هزا ، وترجّها رجّا ؛ وتثير فيها رعشة الخوف ، وروعة الإعجاب ، ورجفة الصحو من الغفلة على الأمر المهول الرهيب.
وذلك كلّه الى صور الحياة ، وصور الموت ، وصور البلى ، وصور البعث وصور الحشر ، وإلى إرهاص الساعة في النفس ، وتوقّعها في الحسّ ، وإلى الحقائق الكونية المتجلّية في السماء والأرض ، وفي الماء والنبات وفي التمر والطلع» : (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) (٨).
فواتح السور
تبدأ سورة «ق» بهذا الحرف المنفرد : «ق».
وقد بدأت بعض سور القرآن بهذه الأحرف المقطّعة ، فمنها ما بدأ بحرف واحد مثل هذه السورة (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) (١) (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) (١) [ص](ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) (١) [القلم].
ومنها ما بدأ بحرفين مثل (طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) (٢) [طه] ومثل يس ، حم.
ومنها ما بدأ بثلاثة أحرف مثل : الر ، الم ، طسم.
ومنها ما بدأ بأربعة أحرف مثل : المص ، المر.
ومنها ما بدأ بخمسة أحرف مثل : كهيعص ، حم عسق.